الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

هذه الآية خاتمة هذا السياق في الحث على جهاد المشركين لتطهير جزيرة العرب من الشرك وطغيانه وخرافاته وإصراراً الراسخين فيه على عداوة الإسلام والمسلمين، وقد كان الكلام في الآيات التي قبلها في بيان حال المشركين في مواصلة ما بدؤا به من قتال المؤمنين لأجل دينهم وقتال هؤلاء لهم إلى حد الفصل التام بين الفريقين على الوجه الذي قامت به الحجج الناصعة على كون المؤمنين على الحق في هذا القتال التي لو عرضت على المنصفين من أهل كل ملة لحكموا للمؤمنين عليهم، وقد بسطت في الآيات السابقة بالتفصيل المسهب الذي ليس وراءه غاية.

وأنني لا أذكر أنه يوجد في الكتاب العزيز سياق من الاسباب والتأكيد والتكرار مثل ما في هذا السياق، ولم أر فيما اطلعت عليه من التفاسير من سبق إلى ما وفقني تعالى له من بيان نكتته، والإفصاح بحكمته، والتكرار الذي يقتضيه المقام أعظم أركان البلاغة لأنه أعظم أسباب إقناع العقل والتأثير في الوجدان.

وأما الكلام في هذه الآية فهو في بيان حال جماعة المسلمين وشأنهم في الجهاد الحق الذي يتوقف عليه تمحيصهم من ضعف الإيمان، والهوادة في حقوق الإسلام.

ويقول الجمهور إن: " أم " في مثل هذه الجملة هي المنقطعة التي تفيد معنى الإضراب والاستفهام، والمراد بالإضراب هنا تحويل سياق الكلام عن بيان ما يوجب على المؤمنين قتال الكافرين من بدئهم بالقتال لمحض عداوة الإيمان وأهله، ومن نكثهم للأيمان والعهود بعد إبرامها وتوثيقها وغير ذلك مما تقدم - والانتقال منه إلى ما يتعلق بحال المؤمنين أنفسهم وما لهم من الفائدة العظيمة في الجهاد الحق للمشركين.

وتقدم في تفسير آيةأَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ } [البقرة: 214] من سورة البقرة أن شيخنا رحمه الله تعالى قال إن: " أم " فيها لمحض الاستفهام، مراعى فيها معادلته لاستفهام آخر يؤخذ من سياق الكلام، وليس فيها من الإضراب شيء ثم فصل القول في المسألة في تفسير آية آل عمرانأَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142] ورأينا أبا جعفر بن جرير قد جرى في تفسيره على أن الاستفهام في هذه الآيات في مقابلة استفهام آخر.

ونفي العلم الإلهي في هذه الآيات يراد به نفي المعلوم الذي هو متعلقه بالطريقة البرهانية كما تقدم تحقيقه في تفسير آية آل عمران. والوليجة ما يلج في الأمر أو القوم مما ليس منه أو منهم كالدخيلة وهو يطلق على الواحد والكثير - وقد يجمع على ولائج - ويشمل السريرة الفاسدة والنية الخبيثة، وبطانة السوء من المنافقين والمشركين وهو المراد هنا لأنه هو الذي يتخذ.

السابقالتالي
2 3