الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } * { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

لعل الله علم أن في نفس جماعة من المؤمنين كرهاً لقتال من بقي من المشركين بعد فتح مكة وظهور الإسلام لأمنهم من ظهورهم عليهم ورجائهم في إيمانهم، وعلم أنهم يعتذرون لأنفسهم في سرائرهم بما ليس بحق ولا مصلحة للإسلام، وعلم الله أنه يوجد فيهم من المنافقين ومرضى القلوب من يزين ذلك لهم. والله يريد بهذه الأحكام تطهير جزيرة العرب من الشرك وخرافاته وتمحيص المؤمنين من النفاق ودناءاته - لهذا أعاد الكرة إلى إقامة الأدلة على وجوب قتال الناكثين المعتدين منهم بهذه الآيات الجامعة. فقال عزّ وجلّ:

{ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } هذا تحريض على قتالهم بأوجه وجوه الأدلة وأقواها، وأوضح أساليب البيان وأسماها. وهو أن الاستفهام للإنكار الذي يحيل النفي إثباتاً كما يحول الإثبات إلى النفي، وقد دخل هنا على نفي القتال فكان دليلا على إثباته ووجوبه، وأقام على هذا الوجوب ثلاث حجج.

أحدها: نكثهم لأيمانهم التي حلفوها لتأكيد عهدهم الذي عقدوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الحديبية - أو لعهدهم الذي عقدته أيمانهم - على ترك القتال عشر سنين يأمن بها الناس من الفريقين على أنفسهم ويكونون أحراراً في دينهم، فلم يلبثوا أن نكثوا بمظاهرة حلفائهم بني بكر على خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم وكان ذلك ليلا بالقرب من مكة على ماء يسمى الهجير فكان نكثهم هذا من أفظع ما عهد من الغدر كما يدل عليه الشعر الذي أنشده عمرو بن سالم الخزاعي وهو واقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان جاءه لينبئه بذلك وهو قوله:
لا همّ إني ناشد محمداً   حلف أبينا وأبيه الأتلدا
كنت لنا أبا وكنا ولدا   ثُمت أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصراً أيداً   وادعُ عباد الله يأتوا مَددا
فيهم رسول الله قد تجردا   في فيلق كالبحر يجري مزبدا
أبيض مثل الشمس يسمو صعداً   إن سيم خسفاً وجهه تربّدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا   ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالهجير هجّدا   وقتلونا ركعا وسجدا
وزعموا أن لست ترعى أحدا   وهم أذل وأقل عددا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نصرت إن لم أنصركم " وتجهز إلى مكة سنة ثمان من الهجرة. هكذا رواه ابن إسحاق ونقله عنه البغوي وغيره.

ثانيتها: همهم بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من وطنه أو حبسه حيث لا يرى أحداً ولا يراه أحد حتى لا يبلغ دعوة ربه، أو قتله بأيدي عصبة مؤلفة من شبان بطون قريش كلها ليتفرق دمه في القبائل فتتعذر المطالبة به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7