الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } * { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }

هذه الآيات الأربع آخر ما نزل في المنافقين، وتأثير نزول القرآن فيهم وفي المؤمنين، ومن قام الدليل على اليأس من إيمانهم، وإخبار الله بموتهم على كفرهم.

{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ } ، كلمة " ما " بعد " إذا " تفيد التأكيد لمضمون شرطها، يعني وإذا تحقق إنزال الله تعالى على رسوله سورة من القرآن { فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } أي فمن المنافقين من يتساءل مع إخوانه للاختبار، أو مع من يلقاه من المسلمين كافة للتشكيك، قائلاً أيكم زادته هذه السورة إيماناً؟ أي يقيناً بحقية القرآن والإسلام، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فإن في كل سورة من القرآن آيات على صدقه صلى الله عليه وسلم بما فيها من ضروب الإعجاز العامة الدالة على أنها من عند الله تعالى، وكون محمد صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يأتي بمثلها من تلقاء نفسه.

فالسؤال عن الإيمان بأصل الإسلام وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغه عن الله عز وجل وهو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وخضوع الوجدان الذي يستلزم العمل، لا مجرد اعتقاد صدق الخبر، الذي يقابله اعتقاد كذبه، فإن أشد الناس كفراً أولئك المصدقون الجاحدون الذين قال الله لرسوله فيهم:فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33] ومثله قوله:وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14].

ولا شك أن الإيمان بمعناه الذي قلناه يزيد بنزول القرآن في عهد الرسول وناهيك بمن يحضر نزوله عليه ويسمعه منه، وكذا يزيد بتلاوته وبسماعه من غيره أيضاً ثباتاً في قلب المؤمن وقوة إذعان، وصدق وجدان، ورغبة في العمل والقرب من الله.

قال الله تعالى في جواب هذا السؤال وهو العليم الخبير: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } فأثبت تعالى للمؤمن زيادة الإيمان بزيادة نزول القرآن، وهو يشمل الزيادة في حقيقته وصفته من اليقين والإذعان واطمئنان القلب. وفي متعلقه وهو ما في السورة من مسائل العلم، وفي أثره من العمل والتقرب إلى الرب.

وإنما يتساءل المنافقون عن الأول وهو الذي يفقدونه، وإنما غيره تابع له. { وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي والحال أنهم يسرون بنزولها وتستدعي زيادة الإيمان في قلوبهم البشرى والارتياح بما يرجون من خير هذه الزيادة بتزكية أنفسهم، وأثر ذلك في أعمالهم في الدنيا والآخرة.

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي شك وارتياب، يدعو إلى النفاق بإسرار الكفر وإظهار الإسلام { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } أي كفراً ونفاقاً مضموماً إلى كفرهم ونفاقهم السابق الذي هو أقذر الرجس النفسي وشر أنواعه { وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } أي واستحوذ ذلك عليهم ورسخ فيهم. فكان مقتضى سنة الله تعالى في تأثير الأعمال في صفات النفس أن من مات منهم مات على كفره، وسيموت من بقي منهم وهم متلبسون بالكفر.

السابقالتالي
2 3 4