الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

هذه الآية من تتمة أحكام الجهاد بالقتال، مع زيادة حكم طلب العلم والنفقة في الدين وهو آلة الجهاد بالحجة والبرهان، الذي عليه مدار الدعوة إلى الإيمان، وإقامة دعائم الإسلام، وإنما جهاد السيف حماية وسياج. وسببها أن ما ورد في فضل الجهاد وثوابه وفي ذم القاعدين عنه وكونه من شأن المنافقين دون المؤمنين الصادقين، قوى رغبة المؤمنين فيه حتى كانوا إذا أراد الرسول صلى الله عليه وسلم إرسال سرية للقاء بعض المشركين وإن قلوا ينتدب لها جميع المؤمنين ويتسابقون إلى الخروج فيها، ويدعون الرسول صلى الله عليه وسلم وحده أو مع نفر قليل كما ورد، وإنما يجب هذا في النفير العام إذا وجد سببه بقدر الحاجة لا في كل استنفار لمقاومة الكفار، على أن النفر العام قد يتعذر أو تكثر فيه الأعذار، وقيل إنه لم يكن واجباً على عمومه إلا في عهده صلى الله عليه وسلم، أو على الأنصار بمقتضى مبايعتهم له (راجع ج 10).

{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } أي ما كان شأن المؤمنين ولا مما يجب عليهم ويطلب منهم، أن ينفروا جميعاً في كل سرية تخرج للجهاد، فإن هذه السرايا من فروض الكفاية لا من فروض الأعيان، وإنما يجب ذلك إذا خرج الرسول واستنفرهم للخروج { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ } لولا حرف تحضيض وحث على ما تدخل عليه، أي فهلا نفر للقتال من كل فرقة كبيرة { مِّنْهُمْ } كالقبيلة أو أهل المدينة، { طَآئِفَةٌ } أي جماعة بقدر الحاجة.

{ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ } أي ليتأتى لهم أي المؤمنين في جملتهم التفقه في الدين بأن يتكلف الباقون في المدينة الفقاهة في الدين بما يتجدد نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم من الآيات، وما يجري عليه صلى الله عليه وسلم من بيانها بالقول والعمل، فيعرف الحكم مع حكمته، ويفصل العلم المجمل بالعمل به، { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } الذين نفروا للقاء العدو { إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } أي يجعلوا جل همهم من الفقاهة بأنفسهم إرشاد هؤلاء وتعليمهم ما علموا، وإنذارهم عاقبة الجهل، وترك العمل بالعلم { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } أي رجاء أن يخافوا الله ويحذروا عاقبة عصيانه. ويكون جميع المؤمنين علماء بدينهم قادرين على نشر دعوته، وإقامة حجته، وتعميم هدايته، فهذا ما يجب أن يكون غاية العلم والتفقه في الدين والغرض منه لا الرياسة والعلو بالمناصب، والتكبر على الناس وطلب المنافع الشخصية منهم.

والآية تدل على وجوب تعميم العلم والتفقه في الدين والاستعداد لتعليمه في مواطن الإقامة وتفقيه الناس فيه على الوجه الذي يصلح به حالهم، ويكونون به هداة لغيرهم، وأن المتخصصين لهذا التفقه بهذه النية، لا يقلون في الدرجة عند الله عن المجاهدين بالمال والنفس لإعلاء كلمة الله والدفاع عن الملة والأمة.

السابقالتالي
2 3