الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

هاتان الآيتان في تأكيد وجوب الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيه من الأجر العظيم، وحظر تخلف أحد عنه إلا بإذنه، بما فيه من تفضيل أنفسهم على نفسه.

{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } ما كان بالذي يصح لأهل المدينة عاصمة الإسلام ومقر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالذي يستقيم أو يحل لهم { وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ } كمزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار { أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } إذا خرج غازياً في سبيل الله كما فعل بعضهم في غزوة تبوك ولا في غير هذا من أمور الملة ومصالح الأمة { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أي ولا أن يفضلوا أنفسهم على نفسه فيصونوها ويرغبوا بإيثار راحتها وسلامتها عن بذلها فيما يبذل فيه نفسه الشريفة القدسية من احتمال الجهد والمشقة في سبيل الله عز وجل.

يقال رغب في الشيء إذا أحبه وآثره، ورغب عنه إذا كرهه وأعرض عنه، وقد جمع هنا بينهما بهذه العبارة المؤثرة الدالة على أن المتخلف يفضل نفسه ويؤثرها على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يكمل إيمان أحد حتى يحبه أكثر من حبه لنفسه، وهذا يصح بعده صلى الله عليه وسلم في كل راغب عن سنته والتأسي به، كالملاحدة الذين يقولون لا يجب اتباعه بعد موته، والمبتدعة والمقلدة الذين يؤثرون بدعهم ومذاهبهم على سنته.

قال الزمخشري - ونعم ما قال -: أمروا أن يصحبوه على البأساء والضراء، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم من الشدائد ما تلقاه نفسه، علماً بأنها أعز نفس على الله وأكرمها. فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهول وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له ولا يكترث لها أصحابها ولا يقيمون لها وزناً، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه، فضلاً عن أن يربؤا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه. وهذا نهي بليغ مع تقبيح لأمرهم، وتوبيخ لهم عليه، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية ا هـ.

{ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي ذلك الذي دل عليه النفي من النهي عن التخلف عنه، ووجوب الاتباع له، بسبب أن كل ما يصيبهم في جهادهم من أذى وإن قل، ومن إيذاء للعدو وإن صغر، فهو عمل صالح لهم به أكبر الأجر، فلا يصيبهم ظمأ لقلة الماء - أو نصب لبعد الشقة أو قلة الظهر - أو مجاعة لقلة الزاد - في سبيل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه.

{ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ } وطؤهم إياه لأنه من دارهم، ويعدون وطأه اعتداء عليهم واستهانة بقوتهم، فيغيظهم أن تمسه أقدام المؤمنين أو حوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم، فكيف إذا يسر الله فتحه لهم.

السابقالتالي
2