الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }

هذا بيان لما سيكون من أمر هؤلاء المشركين بعد تلك العداوة للإسلام وأهله وهو لا يعدو أمرين فصلهما تعالى وبين حكم كل منهما في هاتين الآيتين، قال: { فَإِن تَابُواْ } عن شركهم وصدهم عن سبيل الله من آمن به بالفعل ومن يريد الإيمان أو يتوقع منه، وما يلزم ذلك من نقض العهود وخفر الذمم { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ } بدخولهم في جماعة المسلمين الذي لا يتحقق بعد الشهادتين إلا بإقامة هذين الركنين من أركان الإسلام، كما تقدم تفصيله في تفسير الآية الخامسة.

{ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } أي فهم حينئذ إخوانكم في الدين لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم، وبهذه الأخوة يهدم كل ما كان بينكم وبينهم من عداوة. وهو نص في أن أخوة الدين تثبت بهذين الركنين ولا تثبت بغيرهما من دونهما، والثاني مقيد بشرطه وهو ملك النصاب مدة الحول، والكلام في جملة المشركين وفيهم الغني والفقير، وهل يتعارف الإخوان في الدين إلا بإقامة الصلوات في المساجد وسائر المعاهد، وبإداء الصدقات للمواساة بينهم ولإقامة غيرها من المصالح؟ وهذه الأخوة أول مزية دنيوية للإسلام فإن المشركين كانوا محرومين من هذه الأخوة العظيمة، بعضهم حرب لبعض في كل وقت إلا ما يكون من عهد أو جوار قلما يفي به القوي للضعيف دائما.

{ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي ونبين الآيات المفصلة للدلائل، الفاصلة بين الإيمان والكفر وبين الحق والباطل، والمفرقة بين الفضائل والرذائل، لقوم يعلمون وجوه الحجج والبراهين، فهم الذين يعقلونها دون الجاهلين من متبعي الظنون والمقلدين.

روى أبن جرير في تفسير الآية عن ابن عباس قال: حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة وروي عن ابن زيد قال: افترضت الصلاة والزكاة جميعاً لم يفرق بينهما وقرأ { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } وأبى إن يقبل الصلاة إلا بالزكاة، وقال رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه. وروي عن عبد الله (أي ابن مسعود) قال: أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له أهـ. وروى غيره عنه أنه قال كما قال ابن زيد بعده: رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه. يعني بهذا قوله: والله لا أفرق بين شيئين جمع الله بينهما.

وفي تفسير هذه الآية مباحث: الأول: أن الشرط فيها كالشرط في الآية الخامسة وإنما اختلف الجواب لمناسبة السياق: وردت تلك الآية تالية تلو الأمر بقتل المشركين فناسب أن يكون جواب الشرط فيها الأمر بتركه وهو قوله تعالىفَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [التوبة: 5] ووردت هذه الآية تلو إثبات رسوخ المشركين في كفرهم وضلالهم وصدهم عن سبيل الله وكونه هو الباعث لهم على قتال المؤمنين ابتداء ثم على نقض عهودهم فناسب أن يذكر في جواب شرطها { فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } وهذه أجلب لقلوبهم وأشد استمالة لهم إلى الإسلام كما قال بعض المفسرين.

السابقالتالي
2 3 4 5