الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ } * { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

نزلت هذه الآيات الأربع في واقعة حال من مكايد المنافقين للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، لم أر أحداً بين حكمة خاصة لتأخيرها عن أمثالها مما نزل في أعمال المنافقين ووضعها هنا في سياق توبة المذنبين من المؤمنين: ما تقدم منها فقبل، وما تأخر فأرجيء.

وقد بينا الحكمة العامة في تفريق الآيات في الموضوع الواحد - وهو تجديد الذكرى والعظة، وما تقتضيه من التأثير والعبرة - في مواضع متعددة من الكلام على التناسب ووجوه الاتصال بين الآيات.

ولعل بعض ضعفاء المؤمنين كانوا قد شايعوا أولئك المنافقين الاثني عشر الذين بنوا مسجد الضرار في عملهم جاهلين مقاصدهم منه، فأريد بوضع القصة هنا وإبهام عطفها على من أرجأ الله الحكم في أمرهم، أن يتعظ أولئك الغافلون من المؤمنين المغرورين بمسجد الضرار ومتخذيه، ويخافوا أن يؤاخذوا بمشايعتهم لهم، ولو بصلاتهم معهم في مسجدهم.

روي أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرار فكلم بنو عمرو بن عوف أصحاب مسجد قباء عمر بن الخطاب في خلافته بأن يأذن لمجمع فيؤمهم في مسجدهم، فقال لا ولا نعمة عين، أليس بإمام مسجد الضرار؟ فقال يا أمير المؤمنين لا تعجل علي، فوالله لقد صليت بهم والله يعلم أني لا أعلم ما أضمروا فيه، ولو علمت ما صليت معهم فيه، كنت غلاماً قارئاً للقرآن وكانوا شيوخاً - لا - يقرءون من القرآن شيئاً. فعذره وصدقه وأمره بالصلاة بقومه قال تعالى:

{ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ } يحتمل أن تكون هذه الجملة ابتدائية معطوفة على ما قبلها من السياق في جملته، حذف خبرها للعلم به، ويبعد أن تكون معطوفة على قوله: { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ } إلا على قول ضعيف روي عن الحسن وهو أنه في المنافقين، والأفصح أن يكون لفظ " الذين " منصوباً على الاختصاص بالذم، وجعله محتملاً لما ذكر ولغيره نراه من الإبهام.

الذي تقتضيه البلاغة في هذا المقام، لما أشرنا إليه آنفاً من الإيهام، وقد قرر علماء البيان أن البلاغة تقتضي أحياناً إيراد عبارة تذهب النفس في فهمها عدة مذاهب محتملة فيها.

وقرأ نافع وابن عامر (الذين) بغير واو. وهي أقرب إلى قول الحسن منها إلى قول الجمهور، وما أشرنا إليه من حكمة وضع الآيات هنا أظهر في هذه القراءة منه في قراءة جمهور القراء: " فتأمل ".

ذكر المفسرون أن هؤلاء الذين اتخذوا هذا المسجد كانوا اثني عشر رجلاً من منافقي الأوس والخزرج وسموهم بأسمائهم، وقد بين الله تعالى أن الأغراض التي بنوه لأجلها أربعة ذكرت منصوبة على المفعول لأجله وهي:

1- أنهم اتخذوه لمضارة المؤمنين أي محاولة إيقاع الضرر بهم، وهم أهل مسجد قباء (الذي بناه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه من مكة مهاجراً وقبل وصوله إلى المدينة) إذ بنوه بجواره مضادة لهم في الاجتماع للصلاة فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8