الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

هذه الآيات الثلاث في بيان فوائد صدقة الأموال ومنافعها، والحث عليها، وعلى التوبة لمن قصر في الجهاد في سبيل الله بماله ونفسه، أو في غير ذلك من أمور دينه. وفي الحث على العمل، وكونه هو الذي عليه المعول.

أخرج ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة " أن أبا لبابة وأصحابه جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أطلقوا فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، فقال: " ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً " فأنزل الله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } " وأخرج مثله عنه من طريق محمد بن سعد عن آبائه وزاد: فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءاً من أموالهم فتصدق بها عنهم. وله في سبب النزول روايات أخرى.

وهذا النص حكمه عام وإن كان سببه خاصاً، عام في الآخذ يشمل خلفاء الرسول من بعده ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وفي المأخوذ منهم وهم المسلمون الموسرون، قال العماد بن كثير: وهذا عام وإن عاد الضمير في (أموالهم) إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. ولهذا اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون وإنما كان هذا خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } الآية.

وقد رد عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد أبو بكر الصديق وسائر الصحابة رضي الله عنهم وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال الصديق: والله لو منعوني عناقاً - وفي رواية عقالاً - كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعه. انتهى. وهذا مشهور في الصحاح والسنن والسير ومجمع عليه، وهاك معنى الآية:

{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } أي خذ أيها الرسول من أموال من ذكر، ومن سائر أموال المؤمنين - على اختلاف أنواعها، ومنها مال التجارة - صدقة معينة كالزكاة المفروضة أو غير معينة وهي التطوع - فالصدقة ما ينفقه المؤمن قربة لله كما تقدم في نفقة مؤمني الأعراب { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي تطهرهم بها من دنس البخل والطمع والدناءة والقسوة على الفقراء البائسين وما يتصل بذلك من الرذائل، وتزكي أنفسهم بها أي تنميها وترفعها بالخيرات والبركات الخلقية والعملية، حتى تكون بها أهلاً للسعادة الدنيوية والأخروية.

فالمطهر هنا الرسول والمطهر به الصدقة. والتزكية صيغة مبالغة من الزكاء وهو نماء الزرع ونحوه، قال في مجاز الأساس: رجل زكي زائد الخير والفضل بين الزكاء والزكاة،وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9