الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }

تقدّم في تفسير قصّة البقرة من سورتها أن سنة القرآن في ذكر القصص والوقائع مخالفة العهود في أساليب الكلام من سردها مرتبة كما وقعت، وإنّ سبب هذه المخالفة أنّه لا يقصّ قصّة ولا يسرد أخبار واقعة لأجل أن تكون تاريخاً محفوظاً، وإنما يذكر ما يذكر من ذلك لأجل العبرة والموعظة، وبيان الآيات الحكم الإلهية والأحكام العملية. بدئت قصّة البقرة بأمر موسى لقومه بذبح بقرة وذكر في آخرها سبب ذلك خلافاً للترتيب المألوف من تقديم السبب على مسببه كتقديم العلّة على معلولها والمقدمات على نتيجتها. ولكن أسلوب القرآن البديع أبلغ في بابه كما بسط هنالك.

وهاهنا بدئت قصّة غزوة بدر الكبرى التي كانت أوّل مظهر لوعد الله تعالى بنصر رسوله والمؤمنين، والإدالة لهم من أكابر مجرمي المشركين، بذكر حكم الغنائم التي غنمها المسلمون منهم - ويا لها من براعة مطلع - مقروناً ببيان صفات المؤمنين الكاملين الذين وعدهم النصر كما وعد النبيين، وهم الذين يقبلون حكم الله وقسمة رسوله في الغنائم - ويا لها من مقدمات للفوز في الحرب وغيرها - ثمّ قفى على ذلك بذكر أوّل القصّة وهو خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم من بيته في المدينة وكراهة فريق من المؤمنين لخروجه، خلافاً لما يقتضيه الإيمان من الإذعان لطاعته، والرضاء بما يفعله بأمر ربّه، وما يحكم أو يأمر به، كما علم من الشرط في الآية الأولىإِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [الأنفال: 1] ولعل بيان هذا الشرط وما وليه من بيان صفات المؤمنين حقّ الإيمان هو أهم ما في هذه السورة على كثرة أحكامها وحكمها وفوائدها الروحيّة والإجتماعيّة والسياسية والحربية والماليّة.

قال تعالى: { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } أي إن الأنفال لله يحكم فيها بالحق ولرسوله يقسمها بين من جعل الله لهم الحقّ فيها بالسوية، وإن كره ذلك بعض المتنازعين فيها، والذين كانوا يرون أنهم أحقّ بها وأهلها، فهي كإخراج ربك إياك من بيتك بالحقّ للقاء إحدى الطائفتين من المشركين في الظاهر، وكون تلك الطائفة هي المقاتلة في الواقع، والحال أن كثيراً من المؤمنين لكارهون لذلك لعدم إستعدادهم للقتال أوّله ولغيره من الأسباب التي تعلم مما يأتي.

هذا ما أراه المتبادر من هذا التشبيه وقد راجعت بعض كتب التفسير فرأيت للمفسرين فيها بضعة عشر وجهاً أكثرها متكلّف وبعضها قريب ولكن هذا أقرب وقد بسطه الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري باعتبار غايته وما كان من المصلحة فيه وهو حقّ في نفسه ولكن اللفظ لا يدل عليه، وذكره الزمخشري مبنياً على قواعد الإعراب ولا يظهر المعنى تمام الظهور في الآيات إلاّ ببيان ما وقع من ذلك وأجمعه رواية محمد بن إسحاق قال: حدّثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، وغيرهم من علمائنا عن عبد الله بن عباس، كلّ قد حدّثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر

السابقالتالي
2 3 4 5