الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } * { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

كان المؤمنون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أصناف: الأول: المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى قبل غزوة بدر، وربما تمتد أو يمتد حكمها إلى صلح الحديبية سنة ست. الثاني: الأنصار. الثالث: المؤمنون الذين لم يهاجروا. الرابع: المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية.

وقد بين في هذه الآيات حكم كل منها ومكانتها فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذا الصنف الأول، وهو الأفضل الأكمل. وقد وصفهم بالإيمان والمراد به الإيمان بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من توحيد الله تعالى وتنزيهه ووصفه بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ومن عالم الغيب كالملائكة والبعث والجزاء، ومن الوحي والكتب المنزل وغير ذلك من العقائد والعبادات والآداب والحلال والحرام، والأحكام السياسية والمدنية، وناهيك بسبق هؤلاء إلى هذا الإيمان ومعاداة الأهل والولد والأقربين والأولياء لأجله -.

ووصفهم بالمهاجرة من ديارهم وأوطانهم فراراً بدينهم من فتنة المشركين إرضاء لله تعالى ونصراً لرسوله صلى الله عليه وسلم - ووصفهم بالجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فالجهاد بذل الجهد بقدر الوسع ومصارعة المشاق.

فأما ما كان منه بالأموال فهو قسمان: إيجابي وهو إنفاقها في التعاون والهجرة ثم في الدفاع عن دين الله ونصر رسوله وحمايته، وسلبي وهو سخاء النفس بترك ما تركوه في وطنهم عند خروجهم منه -.

وأما ما كان منه بالنفس فهو قسمان أيضاً: قتال الأعداء وعدم المبالاة بكثرة عددهم وعُددهم، وما كان قبل إيجاب القتال من احتمال المشاق ومغالبة الشدائد والصبر على الاضطهاد، والهجرة من البلاد، وما في ذلك من سغب وتعب وغير ذلك.

قال { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ } وهذا هو الصنف الثاني في الفضل كالذكر، وصفهم بأنهم الذين آووا الرسول ومن هاجر إليهم من أصحابه الذين سبقوهم بالإيمان، ونصروهم، ولولا ذلك لم تحصل فائدة الهجرة. ولم تكن مبدأ القوة والسيادة.

فالإيواء يتضمن معنى التأمين من المخافة، إذ المأوى هو الملجأ والمأمن ومنهإِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } [الكهف: 10]فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ } [الكهف: 16]أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } [الضحى: 6]وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } [المعارج: 13]آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } [يوسف: 69] وقد يطلق المأوى في التنزيل على الجنة وهو على الأصل في استعماله، وعلى نار الجحيم وهو من باب التهكم ونكتته بيان أن من كانت النار مأواه لا يكون له ملجأ ينضوي إليه ولا مأمن يعتصم به.

وقد كانت يثرب مأوى وملجأ للمهاجرين شاركهم أهلها في أموالهم، وآثروهم على أنفسهم، وكانوا أنصار الرسول صلى الله عليه وسلم يقاتلون من قاتله ويعادون من عاداه، ولذلك جعل الله حكمهم وحكم المهاجرين واحداً في قوله:

{ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } أي يتولى بعضهم من أمر الآخرين أفراداً أو جماعات ما يتولونه من أمر أنفسهم عند الحاجة من تعاون وتناصر في القتال وما يتعلق به من الغنائم وغير ذلك لأن حقوقهم ومرافقهم ومصالحهم مشتركة حتى إن المسلمين يرثون من لا وارث له من الأقارب، ويجب عليهم إغاثة المضطر وكفاية المحتاج منهم، كما أنه يشترط فيمن يتولى أمورهم العامة أن يكون منهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد