الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

هاتان الآيتان متمتان للكلام في أسرى بدر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بترغيبهم في الإسلام ببيان ما فيه من خيري الدنيا والآخرة، وبتهديدهم وإنذارهم عاقبة بقائهم على الكفر وخيانته صلى الله عليه وسلم ويتضمن ذلك البشارة بحسن العاقبة والظفر له ولمن أتبعه من المؤمنين. قال تعالى:

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ } أي قل للذين في تصرف أيديكم من الأسرى - وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر من الأسارى - الذين أخذتم منهم الفداء { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } إن كان الله تعالى يعلم إن في قلوبكم إيماناً كامناً بالفعل أو بالاستعداد الذي سيظهر في إبانه - أو كما يدعي بعضكم بلسانه، والله أعلم بما في قلوبكم { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } أي يعطكم إذ تسلمون ما هو خير لكم مما أخذه المؤمنون منكم من الفداء بما تشاركونهم فيه من الغنائم وغيرها من نعم الدين التي وعدهم الله بها.

روى أبو الشيخ عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أن العباس وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله فنزل { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } أي إيماناً وتصديقا يخلف لكم خيراً مما أصيب منكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أي ما كان من الشرك وما ترتب عليه من السيئات. فكان عباس يقول ما أحب إن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي ما في الدنيا من شيء فلقد أعطاني الله خيراً مما أخذ مني مائة ضعف وأرجو أن يكون غفر لي الله. وقد أخذ هذا من قوله: { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي غفور لمن تاب من كفره ومن ذنبه بالأولى رحيم بالمؤمنين. والمراد بهذه الرحمة الخاصة التي تشمل سعادة الآخرة، وأما الرحمة العامة فقد وسعت كل شيء. وهذا ترغيب لهم في الإسلام ودعوة إليه، وعدم عدهم مسلمين بما قاله بعضهم، ولذلك قال:

{ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } بما يظهر بعضهم من الميل إلى الإسلام، أو دعوى إبطال الإيمان، أو الرغبة عن قتال المسلمين من بعد - وهذا مما اعتيد من البشر في مثل تلك الحال، فلا تخف ما عسى أن يكون من خيانتهم وعودتهم إلى القتال، { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } باتخاذ الأنداد والشركاء لهُ، وبغير ذلك من الكفر بنعمه ثم برسوله، وقال بعض المفسرين إن خيانتهم لله تعالى هي ما كان من نقضهم لميثاقه الذي أخذه على البشر بما ركب فيهم من العقل وما أقامه على وحدانيته من الدلائل العقلية والكونية على الوجه الذي تقدم بيانه في آية أخذه تعالى الميثاق على بني آدم من سورة الأعراف فتراجع (في ج 9تفسير) { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } [الأنفال: 71] الإمكان من الشيء والتمكين منه واحد أي فمكنك أنت وأصحابك منهم، بنصره إياك عليهم ببدر على التفاوت العظيم بين قوتك وقوتهم، وعدد أصحابك وعددهم، وكذلك يمكنك ممن يخونك من بعد، كما مكنك ممن خانه من قبل { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بما سيكون من أمرهم، حكيم في نصر المؤمنين وإظهارهم عليهم.

السابقالتالي
2 3