الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ختم الله تعالى سياق القتال في هذه السورة بأحكام تتعلق بالأسرى لأن أمورهم يفصل فيها بعد القتال في الغالب كما وقع في غزوة بدر وكما يقع في كل زمان وفصله عما قبله لأنه بيان مستأنف لما شأنه أن يسأل عنه ولا سيما عارفي قصة غزوة بدر وأهلها، والأسرى جمع أسير كالقتلى والجرحى جمع جريح وقتيل.

وقال الزجاج أن هذا الجمع خاص بمن أصيب في بدنه أو عقله كمريض ومرضى وأحمق وحمقى والأسير مأخوذ من الأسر وهو الشد بالإسار بالكسر أي السير وهو القد من الجلد، وكان من يؤخذ من العسكر في الحرب يشد لئلا يهرب ثم صار لفظ الأسير يطلق على أخيذ الحرب وإن لم يشد، ويجمع لغة على أسارى وقرئ به في الشواذ وقال بعضهم أنه جمع أسرى أي جمع الجمع، وعلى أسراء كضعيف وضعفاء وعليم وعلماء.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب: " تكون " بالفوقية بناء على تأنيث لفظ الجمع (أسرى) والثخانة من الثخن بكسر ففتح والثخانة وهي الغلظ والكثافة، وثوب ثخين ضد رقيق والعامة تجعل الثاء المثلثة من هذه المادة مثناة.

ومعنى { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } ما كان من شأن نبي من الأنبياء ولا من سنته في الحرب أن يكون له أسرى يتردد أمره فيهم بين المن والفداء إلا بعد أن يثخن في الأرض أي حتى يعظم شأنه فيها ويغلظ ويكثف بأن تتم له القوة والغلب فلا يكون اتخاذه الأسرى سبباً لضعفه أو قوة أعدائه، وهو في معنى قول ابن عباس رضي الله عنه حتى يظهر على الأرض وقول البخاري حتى يغلب في الأرض.

وفسره أكثر المفسرين بالمبالغة في القتل وروي عن مجاهد وهو تفسير بالسبب لا بمدلول اللفظ.

وفي التفسير الكبير للرازي: قال الواحدي الإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته يقال قد أثخنه المرض إذا اشتدت قوة المرض عليه وكذلك أثخنه الجراح، والثخانة الغلظة فكل شيء غليظ فهو ثخين فقوله: { حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } معناه حتى يقوى ويشتد ويغلب ويبالغ ويقهر. ثم أن كثيراً من المفسرين قالوا: المراد منه حتى يبالغ في قتل أعدائه قالوا وإنما حملنا اللفظ عليه لأن الملك والدولة إنما تقوى وتشتد بالقتل. قال الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى   حتى يراق على جوانبه الدم
ولأن كثرة القتل توجب الرعب وشدة المهابة وذلك يمنع من الجرأة ومن الإقدام على ما لا ينبغي فلهذا السبب أمر الله بذلك اهـ.

وأقول: أن من المجربات التي لا شك فيها أن الإثخان في قتل الأعداء في الحرب سبب من أسباب الإثخان في الأرض أي التمكن والقوة وعظمة السلطان فيها، وقد يحصل هذا الإثخان بدون ذلك أيضاً: يحصل بإعداد كل ما يستطاع من القوى الحربية ومرابطة الفرسان والاستعداد التام للقتال الذي يرهب الأعداء كما تقدم في تفسير

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد