الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

لما أمر تعالى رسوله في الآية 61 أن يجنح للسلم إذا جنح لها الأعداء وكان جنوح الأعداء لها مظنة الخداع والمكر كما تقدم قريباً في تفسيرها وعده عزّ وجلّ في الآية 62 بأن يكفيه أمرهم إذا هم أرادوا التوسل بالصلح إلى الحرب، أو غيرها من الإيذاء والشر، وامتن عليه بما يدل على كفايته إياه وهو تأييده له بنصره وبالمؤمنين إذ سخرهم له وألف بين قلوبهم باتباعه. ثم إنه تعالى وعده بكفايته له ولهؤلاء المؤمنين الذين ألف قلوبهم عليه في حال الحرب كحال السلم وفي كل حال، وجعل هذا الوعد تمهيداً لما بعده من أمره بتحريضهم على القتال عند الحاجة إليه من بدء العدو بالحرب، أو خيانتهم في الصلح، أو نقضهم للعهد، أو غير ذلك فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي إن الله تعالى هو كاف لك كل ما يهمك من أمر الأعداء وغيره وكاف لمن أيدك بهم من المؤمنين - فالحسب في تلك الآية كفاية خاصة به صلى الله عليه وسلم في حال خاصة، وفي هذه كفاية عامة له ولمن اتبعه من المؤمنين في كل حال من قتال أو صلح يفي به العدو أو يخون، وفي غير ذلك من الشؤون. ويحتمل أن يكون العطف على معنى: وحسبك من اتبعك من المؤمنين أي فإنه ينصرك بهم. ولكن مقتضى كمال التوحيد هو الأول وهو كفاية الله تعالى له ولهم كما قال تعالى في المؤمنين في سياق غزوة أحد أو غزوة حمراء الأسدٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } [آل عمران: 173] فالحسبلة مقتضى التوكل وإنما يكون التوكل على الله وحده كما قال لنبيهقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [الزمر: 38] أي عليه وحده بدلالة تقديم الظرف ومثله في هذا الحصر آيات كثيرة. وقال في المنافقينوَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } [التوبة: 59] أي لكان خيراً لهم، علمهم الله تعالى أن يسندوا الإعطاء من الصدقات إلى الله لأنه المعطي الذي فرض الصدقات وأوجبها، وإلى رسوله لأنه هو الذي يقسمها وإن يسندوا كفاية الإحساب إلى الله وحده وتكون رغبتهم إلى الله وحده، ولم يأمرهم إن يقولوا: حسبنا الله ورسوله، إذ لا يكفي العباد إلا ربهم وخالقهم كما قال تعالىأَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36] ولا سيما الكافية الكاملة التي يعبر عنها بحسبك أي التي يقول فيها المكفي حسبي حسبي، وهي المرادة هنا كما تقدم.

وإذا كان دأب آحاد المؤمنين وهجيراهمحَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9