الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } هذا بيان لبعض مضمون قوله تعالى في الآية التي قبل الأخيرةوَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الأنفال: 48] ومعناه ولو رأيت أيها الرسول - أو الخطاب لكل من سمعه أو يتلوه - إذ يتوفى الذين كفروا من قتلى بدر وغيرهم (ومعلوم أن: " لو " الامتناعية ترد المضارع ماضياً) ملائكة العذاب حالة كونهم { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } أي ظهورهم وأقفيتهم بجملتها - وهو ضرب من عالم الغيب بأيدي الملائكة فلا تقتضي أن يراه الناس الذين يحضرون وفاتهم، كما أنهم لا يسمعون كلامهم عندما يقولون لهم { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } - لو رأيت ذلك لرأيت أمراً عظيماً، يرد الكافر عن كفره والظالم عن ظلمه، إذا هو علم عاقبة أمره.

والمراد بعذاب الحريق عذاب النار الذي يكون بعد البعث. وروي أن ضرب الوجوه والأدبار كان ببدر: كان المؤمنون يضربون ما أقبل من المشركين من وجوههم والملائكة تضرب أدبارهم من ورائهم. وقد علمت مما تقدم من التحقيق أن الملائكة لم تقاتل يوم بدر وإنما كانت مثبتة للمؤمنين، فلا تغرنك الروايات، ومنها حديث الحسن البصري عند ابن جرير قال: " قال رجل يا رسول الله: إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك فقال: " ذلك ضرب الملائكة " ولعلك تعلم أن مراسيل الحسن البصري رحمه الله عند المحدثين كالريح أي لا يقبض منها على شيء.

ويؤيد القول الظاهر بأن هذا في عذاب الآخرة بقية قولهم لهم { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ذلك العذاب الذي ذقتم وتذوقون بسبب ما كسبت أيديكم في الدنيا فقدمتموه إلى الآخرة من كفر وظلم وهو يشمل القول والعمل سواء كان من عمل الأيدي أو الأرجل أو الحواس أو تدبير العقل - كل ذلك ينسب إلى عمل الأيدي توسعاً وتجوزاً، وأصله أن أكثر الأعمال البدنية تزاول بها.

{ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } أي وبأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد فيكون ذلك العذاب ظلماً منه على تقدير عدم وقوع سببه من كسب أيديكم، ولكن سبب ذلك منكم ثابت قطعاً، كما أن وقوع الظلم منه لعبيده منتف قطعا، فتعين أن تكونوا أنتم الظالمين لأنفسكم قطعاً، فلوموها فلا لوم لكم إلا عليها.

وفي الحديث القدسي الذي يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا " إلخ رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه والحق أن للظلم حقيقة وأنه تعالى منزه عنه كتنزهه عن سائر النقائص وما ينافي كمال الربوبية والألوهية، لا لاستحالة وقوعه منه عقلا لأن معناه التصرف في ملك الغير ولا ملك لغيره تعالى - كما قالت الأشعرية - وهو خطأ في تعريف الظلم وخطأ في أصل المسألة بيناه من قبل هذا التعبير بعينه

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10