الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

بعد أن أمر الله تعالى عباده المؤمنين بما أمر به من جلائل الصفات وأحاسن الأعمال، التي جرت سنته بأن تكون سبب الظفر في القتال، ونهاهم عن التنازع - نهاهم عما كان عليه خصومهم من مشركي مكة حين خرجوا لحماية العير من الصفات الرديئة، وذكر لهم بعض أحوالهم القبيحة فقال:

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } البطر كالأشر وهما مصدر بطر وأشر (كفرح) ضرب من إظهار الفخر والاستعلاء بنعمة القوة أو الغنى أو الرياسة يعرف في الحركات المتكلفة والكلام الشاذ - ويفسر اللغويون أحدهما بالآخر - وقال الراغب: البطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها، وصرفها إلى غير وجهها - ثم قال - ويقارب البطر الطرب وهو خفة أكثر ما يعتري من الفرح، وقد يقال ذلك في الترح. والرئاء مصدر راءى زيد عمرا وراءى الناس مراآة ورئاء - وتقلب الهمزة ياء فيقال رياء كأمثاله - وهو بناء مشاركة من الرؤية، والمراد منه أن يعمل المرء ما يحب أن يراه الناس منه ويثنوا عليه ويعجبوا به وإن كان تلبيساً ظاهره غير باطنه. وقال بعضهم هو إظهار الحسن وإخفاء القبيح أي لأجل الثناء والإعجاب.

والمعنى: امتثلوا ما أمرتم به من الفضائل، وانتهوا عما نهيتم من الرذائل، ولا تكونوا كأعدائكم المشركين الذين خرجوا من ديارهم في مكة وغيرها من الأماكن التي استنفرهم منها أبو سفيان - بطرين بما أوتوا من قوة ونِعَمْ لم يستحقوها، أو كفروا نعمة الله - مرائين للناس بها، ليعجبوا بهم ويثنوا عليهم بالغنى والقوة والشجاعة والمنعة { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي والحال أنهم يصدون بخروجهم عن سبيل الله وهو الإسلام بحمل الناس على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والإعراض عن تبليغ دعوته وتعذيب من أجابها إذا لم يكن لهم من يمنعهم ويحميهم من قرابة أو حلف أو جوار { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } علماً وسلطانا فهو يجازيهم عليه في الدنيا والآخرة بمقتضى سنته في ترتيب الجزاء على صفات النفس.

قال البغوي في تفسير الآية من معالم التنزيل: نزلت في المشركين حين أقبلوا إلى بدر، ولهم بغي وفخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني " قالوا ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم فقد نجاها الله فارجعوا. فقال أبو جهل والله لا نرجع حتى نرد بدراً - وكان موسماً من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام - فنقيم ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6