الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ } هو النداء الإلهي السادس للمؤمنين في هذه السورة وهو في إرشادهم إلى القوة المعنوية للمقاتلين التي هي السبب الغالب للنصر والظفر. والفئة الجماعة وغلبت في جماعة المقاتلين والحماة الناصرين، ولم يستعمل في التنزيل إلا بهذا المعنى حتى قوله تعالى في سورة النساءفَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } [النساء: 88] فإن المختلفين في شأنهم منهم من كان يقول بوجوب قتالهم لظهور نفاقهم وبقائهم على شركهم ومنهم من يقول بضده فهي في موضوع القتال.

ومنه قوله تعالى في سورة الكهفوَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [الكهف: 43] ومثله في سورة القصص. واللقاء يكثر استعماله في لقاء القتال أيضاً حتى قال الزمخشري أنه غالب فيه وتبعه كثيرون - وكون اللقاء هنا لفئة يعين هذا المعنى الغالب ويبطل احتمال إرادة غيره.

والمعنى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة من أعدائكم الكفار وكذا البغاة في القتال فاثبتوا لهم ولا تفروا من أمامهم - ولم يصف الفئة للعلم بوصفها من قرينة الحال وهي أن المؤمنين لا يقاتلون إلا الكفار أو البغاة - فإن الثبات قوة معنوية طالما كانت هي السبب الأخير للنصر والغلب بين الأفراد أو الجيوش: يتصارع الرجلان الجلدان فيعيا كل منهما وتضعف منته ويتوقع في كل لحظة أن يقع صريعاً فيخطر له أن خصمه ربما وقع قبله فيثبت حتى يكون بثبات الدقيقة الأخيرة هو الصَّرعَة الظافر.

وكذلك كان جلاد فريقي دول أوربة في الحرب الأخيرة: فقد كل فريق منهما جميع نقوده ونقص عتاد حربه، ووهنت قوى جنوده، ومادة غذائه، وهو يقول: " إلى الساعة الأخيرة " حتى كان فريق الحلف البريطاني الفرنسي ومن معه يستغيث دولة الولايات المتحدة ويسألونها تعجيل الغوث بالأيام والساعات لا بالشهور والأسابيع، ثم كان له الغلب بأسباب أهمها وآخرها الثبات وعدم اليأس مما ذاقوا من بأس الحلف الألماني في الحرب ومخترعاتهم فيها من المدافع الضخمة والطيارات تمطرهم العذاب من فوق رءوسهم والغواصات تنسف بواخرهم وبوارجهم من أسفل منها إلخ وكذلك يفيد الثبات في كل أعمال البشر فهو وسيلة النجاح في كل شيء.

{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } أي وأكثروا من ذكر الله في أثناء القتال وتضاعيفه، اذكروه في قلوبكم بذكر قدرته ووعده بنصر رسله والمؤمنين ونصر كل من يتبع سنتهم بنصر دينه وإقامة سننه، وبذكر نهيه لكم عن اليأس، مهما اشتد البأس، وبأن النصر بيده ومن عنده، ينصر من يشاء وهو القوي العزيز، فمن ذكر هذا وتأمل فيه لا تهوله قوة عدوه واستعداده، لإيمانه بأن الله تعالى أقوى منه - واذكروه أيضاً بألسنتكم موافقة لقلوبكم بمثل التكبير الذي تسصغرون بملاحظة معناه كل ما عداه، والدعاء والتضرع إليه عز وجل مع اليقين بأن لا يعجزه شيء.

السابقالتالي
2 3 4