الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

تقدم وجه التناسب بين الآيات من أول السورة إلى هنا، وفي هذه الآية عود إلى وصف غزوة بدر وما فيها من الحكم والعبر والأحكام، وقد بديء هذا السياق بحكم شرعي يتعلق بالقتال وهو تخميس الغنائم كما بدئت السورة بذكر الأنفال (الغنائم) التي اختلفوا فيها وتساءلوا عنها في تلك الغزوة، والمناسبة بين الآية هنا وما قبلها مباشرة ظاهر فقد جاء في الآيتين اللتين قبلها الأمر بقتال الكفار المعتدين الذين كانوا يفتنون المسلمين عن دينهم حتى لا تكون فتنة، ووعد الله المؤمنين بالنصر عليهم، وذلك يستتبع أخذ الغنائم منهم، فناسب أن يذكر بعده ما يرضيه سبحانه في قسمة الغنائم. وإننا نذكر أقوال العلماء منهم في الغنيمة وما في معناها أو على مقربة منها كالفيء والنفل والسلب والصفي قبل تفسير الآية لطوله حتى لا يختلط بمدلول الألفاظ فنقول:

الغنم بالضم والمغنم والغنيمة في اللغة ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقة - كذا في القاموس - وهو قيد يشير إليه ذوق اللغة أو يشتم منه ما يقاربه ولكنه غير دقيق. فمن المعلوم بالبداهة أنه لا يسمى كل كسب أو ربح أو ظفر بمطلوب غنيمة، كما أن العرب أنفسهم قد سموا ما يؤخذ من الأعداء في الحرب غنيمة وهو لا يخلو من مشقة، فالمتبادر من الاستعمال أن الغنيمة والغنم ما يناله الإنسان ويظفر به من غير مقابل مادي يبذله في سبيله (كالمال في التجارة مثلا) ولذلك قالوا أن الغرم ضد الغنم وهو ما يحمله الإنسان من خسر وضرر بغير جناية منه ولا خيانة يكون عقابا عليهما. فإن جاءت الغنيمة بغير عمل ولا سعي مطلقا سميت الغنيمة الباردة وفي كليات أبي البقاء: الغنم بالضم الغنيمة، وغنمت الشيء أصبته غنيمة ومغنماً، والجمع غنائم ومغانم: " والغنم بالغرم " أي مقابل به. وغرمت الدية والدين: أديته. ويتعدى بالتضعيف يقال غرّمته بالألف (أغرمته): جعلته له غارماً والغنيمة أعم من النفل، والفيء، أعم من الغنيمة، لأنه اسم لكل ما صار للمسلمين من أموال أهل الشرك بعد ما تضع الحرب أوزارها وتصير الدار دار الإسلام وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس.

وذهب قوم إلى أن الغنيمة ما أصاب المسلمون منهم عنوة بقتال، والفيء ما كان عن صلح بغير قتال. وقيل النفل إذا اعتبر كونه مظفوراً به يقال له غنيمة، وإذا أعتبر كونه منحة من الله ابتداء من غير وجوب يقال له نفل. وقيل الغنيمة ما حصل مستغنماً بتعب كان أو بغير تعب وباستحقاق كان أو بغير استحقاق، وقبل الظفر أو بعده. والنفل ما يحصل للإنسان قبل (قسمة) الغنيمة من جملة الغنيمة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد