الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } * { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

نزل هذا في استعداد قريش لغزوة بدر وما سيكون من إستعدادهم لغيرها بعدها. ويشمل اللفظ بعمومه ما سيكون مثل ذلك من الكافرين في كلّ زمن. ذكر رواة التفسير عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم أن هذه الآية الأولى نزلت في أبي سفيان وما كان من إنفاقه على المشركين في بدر ومن إعانته على ذلك في غزوة أحد وغيرها ففي بعض الروايات أنّه لما نجا بالعير بطريق البحر إلى مكّة مشى ومعه نفر من المشركين يستنفرون الناس للقتال فجاؤا كلّ من كان لهم تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمد قد وتركم وقتل رجالكم فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا ندرك منه ثأراً - ففعلوا. وقال سعيد بن جبير: إنّه استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة يقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب. وفيهم قال كعب بن مالك:
وجئنا إلى موج من البحر وسطه   أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن عصابة   ثلاث مئين إن كثرنا فأربع
وقال الحكم بن عتيبة في الآية: نزلت في أبي سفيان أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية من ذهب وكانت الأوقية يومئذ إثنين وأربعين مثقالاً، هذا على ما كان معروفاً من بخل أبي سفيان كما قالت زوجته يوم المبايعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي عن الإسلام واتباع خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم { فَسَيُنفِقُونَهَا } في سبيل الشيطان صداً وفتنة وقتالاً { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } وندماً وأسفاً، لذهابها سدى، وخسرانها عبثاً، إذ لا يطيعهم ممن أراد الله هدايتهم أحد { ثُمَّ يُغْلَبُونَ } المرة بعد المرة، وينكسرون الكرة بعد الكرة { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } أي يساقون يوم القيامة إليها دون غيرها كما أفاده تقديم الظرف على متعلقه. هذا إذا أصروا على كفرهم حتى ماتوا عليه، فيكون لهم شقاء الدارين وعذابهما. ومن العبرة في هذا للمؤمنين أنّهم أولى من الكفّار ببذل أموالهم وأنفسهم في سبيل الله لأن لهم بها من حيث جملتهم سعادة الدارين، ومن حيث أفرادهم الفوز بإحدى الحسنيين هكذا كان في كلّ زمان قام المسلمون فيه بحقوق الإسلام والإيمان، وهكذا سيكون، إذا عادوا إلي ما كان عليه سلفهم الصالحون. والكفّار في هذا الزمان ينفقون القناطير المقنطرة من الأموال للصد عن الإسلام، وفتنة الضعفاء من العوام، بجهاد سلمي، أعم من الجهاد الحربي، وهو الدعوة إلى أديانهم، والتوسل إلى نشرها بتعليم أولاد المسلمين في مدارسهم، ومعالجة رجالهم ونسائهم في مستشفياتهم. والمسلمون مواتون، يرسلون أولادهم إليهم ولا يبالون ما يعملون

السابقالتالي
2