الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

بعد أن بيّن تعالى مكر قريش بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بين ما يدل على أن سببه الجحود والعناد فقال: { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } في صحيح البخاري أن قائل هذا أبو جهل. قال الحافظ في شرحه من الفتح الظاهر إنه أبو جهل وإن كان هذا القول نسب إلى جماعة فلعله بدأ به ورضي الباقون فنسب إليهم، وقد روى الطبراني من طريق ابن عباس أن قائل ذلك هو النضر بن الحارث قال فأنزل الله:سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [المعارج: 1] وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لإحتمال أن يكونا قالاه ولكن نسبته إلى أبي جهل أولى، وعن قتادة قال: قال ذلك سفهة هذه الأمّة وجهلتها اهـ. وقال القسطلاني في شرحه له: و " روي أن النضر بن الحارث لعنه الله لما قال: { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [الأنفال: 31] قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ويلك إنّه كلام الله " " فقال هو وأبو جهل { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا }... إلخ وإسناده إلى الجمع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم اهـ.

والمعنى اللّهمّ إنّ كان هذا القرآن وما يدعو إليه هو الحقّ منزلاً من عندك ليدين به عبادك كما يدعي محمد صلى الله عليه وسلم فافعل بنا كذا وكذا - أي أنهم لا يتبعونه وإن كان هو الحقّ المنزل من عند الله لأنه نزل على محمد بن عبد الله الذي يلقبونه بإبن أبي كبشة بل يفضلون الهلاك بحجارة يرجّمون بها من السماء أو بعذاب أليم آخر يأخذهم على إتباعه، ومن هذا الدعاء علم أن كفرهم عناد وكبرياء وعتوّ وعلو في الأرض لا لأن ما يدعوهم إليه باطل أو قبيح أو ضار، روي أن معاوية قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم إمرأة؟

فقال أجهل: من قومي قومك حين قالوا: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ولم يقولوا فأهدنا له اهـ وما يحكيه القرآن من أقوال المشركين وغيرهم قد يكون بالمعنى دون نص اللفظ كما هو المعتاد بين الناس، وقد يكون نظمه مع أدائه للمعنى بدون إخلال مما يعجز المحكي عنهم عن مثله، وقد يتعين هذا في الكلام الطويل الذي يتحقق بمثله الإعجاز.

قال تعالى رداً عليهم: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } أي وما كان من شأن الله تعالى وسنته، ولا من مقتضى رحمته ولا حكمته، إن يعذبهم وأنت أيّها الرسول فيهم وهو إنّما أرسلك رحمة للعالمين ونعمة، لا عذاباً ونقمة، بل لم يكن من سنته أيضاً أن يعذب أمثالهم من مكذبي الرسل وهم فيهم بل كان يخرجهم منهم أولاً كما قال ابن عباس { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ } هذا النوع من العذاب السماوي الذي عذب بمثله الأمم فاستأصلهم أو مطلقا { وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أي في حال هم يتلبسون فيها باستغفاره تعالى بالإستمرار روى الشيخان من حديث أنس قال أبو جهل { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ } - الآية - فنزلت { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ } إلى قوله: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } الآية قال الحافظ في شرح الحديث من الفتح روى ابن جرير من طريق زيد ابن رومان أنهم قالوا ذلك ثمّ لما أمسوا ندموا فقالوا غفرانك اللّهمّ فأنزل الله { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.

السابقالتالي
2 3 4 5