الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }

هاتان الآيتان وما بعدهما تذكير للنبي صلى الله عليه وسلم بما كان من حاله وحال قومه معه في مكّة كما سبقت الإشارة إلى ذلك وقد حسن هذا التذكير بذلك في أوّل العهد بنصره تعالى له على أولئك الجاحدين المعاندين، الفاتنين المفتونين، الصادين عن سبيل الله تعالى وعن إتباع رسوله بالقوّة القاهرة.

قال عزَّ وجلّ: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي واذكر أيّها الرسول في نفسك، ما نقصّه في الكتاب على المؤمنين والكافرين في عهدك ومن بعدك، لأنّه حجّة لك على صدق دعوتك، ووعد ربّك بنصرك - اذكر ذلك الزمن القريب الذي يمكر بك فيه الذين كفروا من قومك في وطنك. بما يدبرون فيما بينهم بالسر من وسائل الإيقاع بك { لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } فأما الإثبات فالمراد به الشدّ بالوثاق والإرهاق بالقيد والحبس المانع من لقاء الناس ودعوتهم إلى الإسلام وأمّا القتل فالمكر فيه طريقته وصفته الممكنة التي لا يكون ضررها فيهم عظيماً وهو ما بينته الرواية الآتية عنهم، وأما الإخراج فهو النفي من الوطن، وقد روى كبار مصنفي التفسير المأثور " أن أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتمر به قومك؟ قال: " يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني " قال مَنْ حدّثك بهذا؟

قال: " ربّي " قال نعم الرّب ربّك فاستوص به خيراً قال: " أنا أستوصي به؟ بل هو يستوصي بي " " فنزلت: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ولهذا قال ابن جريج إن الآية مكّية وهو قول ضعيف كما تقدّم في الكلام على نزول السورة في أوّل تفسيرها والصحيح أن التشاور في الأمور الثلاثة بدار الندوة كان عقب موت أبي طالب وخديجة (رضي الله عنها) وكان الخروج للهجرة في الليلة التي أجمعوا فيها أمرهم على قتله صلى الله عليه وسلم كما يأتي بيانه، ويجوز أن يكونوا قد تحدثوا به قبل إجماعه وإرادة الشروع فيه الذي وقع بعد موت أبي طالب فبلغه فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عنه.

وأمّا قوله تعالى: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } فهو بيان لحالتهم العامّة الدائمة في معاملته صلى الله عليه وسلم هو ومن اتبعه من المؤمنين بعد التذكير بشرّ ما كان منها في مكّة ولذلك لم يقل " ويمكرون بك " أي وهكذا دأبهم معك ومع من اتبعك من المؤمنين يمكرون بكم ويمكر الله لكم بهم كما فعل من قبل إذ أحبط مكرهم، وأخرج رسوله من بينهم، إلى حيث مهد له في دار الهجرة، ووطن السلطان والقوّة، والله خير الماكرين لأنّ مكره نصر للحق وإعزاز لأهله، وخذل للباطل وإذلال لأهله، وإقامة للسنن، وإتمام للحكم، وقد بيّنا حقيقة المكر في اللغة في تفسير قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4