الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قد بينا وجه التناسب بين هذه النداءات الإلهيّة للمؤمنين وما قبلها وما بعدها إلى آخر هذا الجزء. وورد في سبب نزول هذا النداء بالنهي عن الخيانتين هنا من حديث جابر أن أبا سفيان خرج من مكّة - وكان لا يخرج إلاّ في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين - فأعلم الله رسوله بمكانه، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان: أن محمداً يريدكم فخذوا حذركم. فأنزل الله: { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } الآية. والمراد أن فيها تعريضاً بفعله المنافق الذي يدعي الإيمان بأن عمله خيانة تنافيه. والخيانة للناس وحدهم من أركان النفاق كما ثبت في الحديث الصحيح - وسيأتي - فكيف بمثل هذه الخيانة لله والرسول والمؤمنين؟

وفي عدّة روايات عن عبد الله بن قتادة والزهري والكلبي والسدي وعكرمة أنّها نزلت في أبي لبابة (رضي الله عنه) فإنه كان حليفاً لبني قريظة من اليهود فلمّا خرج إليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد إجلاء إخوانهم من بني النضير أرادوا بعد طول الحصار أن ينزلوا من حصنهم على حكم سعد بن معاذ - وكان من حلفائهم من قبل غدرهم ونقضهم لعهد النبيّ صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم أبو لبابة بأن لا يفعلوا، وأشار إلى حلقه يعني أن سعداً يحكم بذبحهم، فنزلت الآية. قال أبو لبابة ما زالت قدماي حتى علمت إنني خنت الله ورسوله - وفي رواية عبد بن حميد عن الكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا لبابة إلى قريظة وكان حليفاً لهم، بل روي أنه كان وضع ماله وولده عندهم، فأومأ بيده إلى الذبح فأنزل الله الآية (وذكرها ثمّ قال) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي لبابة " أيصوم ويصلي ويغتسل من الجنابة؟ " فقالت إنه ليصوم ويصلي ويغتسل من الجنابة ويحب الله ورسوله. والمراد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم شك في إيمانه حتى أنّه سأل إمرأته هل يقوم في بيته بواجبات الإسلام؟ فأجابته بصيغة التأكيد التي يجاب بها مَنْ أظهر شكّه، وفيه عبرة لمنافقي هذا الزمان الذين يخلصون الخدمة ويسدون النصيحة إلى أعداء ملّتهم وأوطانهم فيما يمكن لهم السلطان في بلادهم والسيادة على أمتهم.

ولينظر المعتبر كيف عاقب أبو لبابة نفسه توبة إلى الله تعالى: شدّ نفسه على سارية من المسجد وقال: والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليّ - فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خرّ مغشياً عليه ثمّ تاب الله عليه فقيل له قد تيب عليك فقال والله لا أحلّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده.

السابقالتالي
2 3 4 5