الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

يقال دعاه فأجابه واستجابه واستجاب له، وكثر المتعدي في التنزيل ويقول الراغب إن أصل الإستجابة التهيؤ والإستعداد للإجابة فحل محلها، أقول والأقرب إلى الفهم قلب هذا وعكسه وهو أن الإستجابة هي الإجابة بعناية واستعداد فتكون زيادة السين والتاء للمبالغة، وهو يقرب مما قالوه في معانيهما من التكلّف والتحري أو هو بعينه إلاّ أنه لا يعبر به فيما يسند إلى الله تعالى كقوله:فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } [آل عمران: 195].

فقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } معناه إذا علمتم ما فرضنا عليكم من الطاعة، وشأن سماع التفقه من الهداية، وقد دعاكم الرسول بالتبليغ عن الله تعالى لما يحييكم، فأجيبوا الدعوة بعناية وهمة، وعزيمة وقوّة، فهو كقوله تعالى:خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } [البقرة: 93] والمراد بالحياة هنا حياة العلم بالله تعالى وسننه في خلقه، وأحكام شرعه، والحكمة والفضيلة والأعمال الصالحة التي تكمل بها الفطرة الإنسانيّة في الدنيا وتستعد للحياة الأبدية في الآخرة، وقيل المراد بالحياة هنا الجهاد في سبيل الله لأنّه سبب القوّة والعزّة والسلطان - والصواب أن الجهاد يدخل فيما ذكرنا وليس هو الحياة المطلوبة بل هو وسيلة لتحققها وسياج لها بعد حصولها، وقيل هي الإيمان والإسلام، وإنما يصح باعتبار ما كان يتجدد من الأحكام، وثمرته في القلوب والأعمال، وبما في الإستجابة من معنى المبالغة في الإجابة، وإلاّ فالخطاب للمؤمنين. وقيل هي القرآن ولا شك إنه ينبوعها الأعظم، الهادي إلى سبيلها الأقوم، مع بيانه من سنّة الرسول وهديه الذي أمرنا بأن يكون لنا فيه أسوة حسنة، ويدل عليه اقتران طاعته بطاعة الله تعالى، بل قال بعض العلماء إنه كان إذا دعا شخصاً وهو يصلي يجب عليه أن يترك الصلاة إستجابة له وأن الصلاة لا تبطل بإجابته بل له أن يبني على ما كان صلى ويتم، واستدلوا على ذلك بحديث رواه البخاري عن سعيد بن المعلي قال: " كنت أصلّي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه - أو قال فلم آته حتى صليت ثمّ أتيته - فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال: " ألم يقل الله: { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم } " ؟ الحديث.

وروى الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة " أنه صلى الله عليه وسلم دعا أبي بن كعب وهو في الصلاة " وذكر نحواً مما رواه البخاري عن أبي سعيد وصححه. وقال الحافظ في باب فضائل الفاتحة من الفتح عند ذكر فقه الحديث: وفيه أن الأمر يقتضي النور لأنّه صلى الله عليه وسلم عاتب الصحابي على تأخير إجابته، وفيه إستعمال صيغة العموم في الأحوال كلّها. قال الخطابي: فيه إن حكم لفظ العموم أن يجري على جميع مقتضاه وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلاً على الخاص، لأن الشارع حرّم الكلام في الصلاة على العموم ثمّ استثنى منها إجابة دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة (وفيه) أن إجابة دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم لا تفسد الصلاة - هكذا صرّح به جماعة من الشافعيّة وغيرهم وفيه بحث لإحتمال أن تكون إجابته واجبة مطلقاً سواء كان المخاطب مصلياً أو غير مصل، إما كونه يخرج لإجابته من الصلاة أو لا يخرج فليس في الحديث ما يستلزمه، فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة، وإلى ذلك جنح بعض الشافعية إلخ ما أورده ولا تعرّض فيه لما يدعو المرء إليه وهل يشترط لما ذكر أن يكون من أمر الدين أم لا؟ وقد كان صلى الله عليه وسلم دعا سعيداً هذا ليعلمه فضل سورة الفاتحة وإنّها السبع المثاني، وفي متن الحديث شيء من الإضطراب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8