الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا " فأما المشيخة (أي المشايخ)

فثبتوا تحت الرايات. وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت المشيخة للشبان: " إنّا كنّا لكم ردءاً ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } وذلك في غزوة بدر. وروى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن سعد بن أبي وقاص أنّه قتل سعيد بن العاص وأخذ سيفه واستوهبه النبيّ صلى الله عليه وسلم فمنعه إياه، وأن الآية نزلت في ذلك فأعطاه إياه لأن الأمر وكلّ إليه صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن جرير أنّهم سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس فنزلت هذه الآية. وجملة القول أنها نزلت في غنائم غزوة بدر تنازع فيها حائزوها من الشبان وسائر المقاتلة. وقيل المهاجرون والأنصار.

قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } الأنفال جمع نفل بالتحريك وهو في أصل اللّغة من النفل - بفتح وسكون - أي الزيادة عن الواجب ومنه صلاة النفل. قال الراغب النفل قيل هو الغنيمة بعينها لكن اختلفت العبارة عنه لإختلاف الإعتبار فإنّه إذا اعتبر بكونه مظفوراً به يقال له غنيمة، وإذا اعتبر بكونه منحة من الله ابتداء من غير وجوب يقال له نفل، ومنهم من فرّق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال الغنيمة كلّ ما حصل مستغنماً بتعب كان أو بغير تعب، وباستحقاق أو بغير استحقاق، وقبل الظفر كان أو بعده. والنفل ما يحصل للإنسان قبل القسمة من جملة الغنيمة، وقيل هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال وهو الفيء، وقيل ما يحصل من المتاع قبل أن تقسم الغنائم. وعلى هذا حملوا قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } الآية.

والمعنى يسألونك أيّها الرسول عن الأنفال لمن هي؟ أللشبان أم للمشيخة؟ أو للمهاجرين أم للأنصار { قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } أي قل لهم الأنفال لله يحكم فيها بحكمه وللرسول يقسمها بحسب حكم الله تعالى وقد قسمها صلى الله عليه وسلم بالسواء.

وهذا لا ينافي التفصيل الذي سيأتي في قوله تعالى:وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } [الأنفال: 41] إلخ فيكون التفصيل ناسخاً للإجمال كما قال مجاهد وعكرمة والسدي فالصواب قول ابن زيد إن الآية محكمة وقد بيّن الله مصارفها في آية الخمس، وللإمام أن ينقل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس.

{ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في المشاجرة والخلاف والتنازع وسيأتي في السور مضار ذلك ولا سيّما في حال الحرب { وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } أي أصلحوا نفس ما بينكم وهي الحال والصلة التي بينكم تربط بعضكم ببعض وهي رابطة الإسلام وإصلاحها يكون بالوفاق والتعاون والمواساة وترك الأثرة والتفوّق، وبالإيثار أيضاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9