الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } * { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

روى أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) قال حدثني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال " لما كان يوم بدر نظر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل نبي الله القبلة ثمّ مدّ يده وجعل يهتف بربّه: اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف بربّه مادّاً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر (رضي الله عنه) فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثمّ التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربّك فإنّه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } " فلما كان يومئذ والتقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً وأسر سبعون " إلخ، وأما البخاري فروى عن ابن عباس قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر: " اللّهمّ إنّي أُنشدك عهدك ووعدك، اللّهمّ إنّ شئت لم تعبد " فأخذ أبو بكر بيده فقال حسبك، فخرج وهو يقولسَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45].

وروى سعيد بن منصور من طريق عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة قال: " لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته: " اللّهمّ لا تودّع منى، اللّهمّ لا تخذلني، اللّهمّ لا تترني اللّهمّ أنشدك ما وعدتني " " وعن ابن إسحاق في سيرته أنّه صلى الله عليه وسلم قال: " اللّهمّ هذه قريش أتت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللّهمّ فنصرك الذي وعدتني ".

وقد استشكل ما ظهر من خوف النبيّ صلى الله عليه وسلم مع وعد الله له بالنصر عاماً وخاصّاً ومن طمأنينة أبي بكر (رضي الله عنه) على خلاف ما كان ليلة الغار إذ كان النبيّ صلى الله عليه وسلم آمناً مطمئناً متوكّلاً على ربه، وكان أبو بكر خائفاً وجلاً كما يدل عليه قوله عزَّ وجلّ:إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 40].

قال الحافظ في الفتح قال الخطابي لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربّه من النبيّ صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم لأنّه كان أوّل مشهد شهده فبالغ في التوجه والدعاء والإبتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لأنّهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة فلما قال له أبو بكر ما قال كفّ عن ذلك وعلم أنّه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوّة والطمأنينة فلهذا عقب بقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد