الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }

لمّا يئس الملأ من قوم شعيب من عودته في ملّتهم، وعلموا أنّه ثابت على مقارعتهم، خافوا إن يكثر المهتدون به من قومهم، فحذروهم ذلك بما حكاه الله تعالى عنهم بقوله:

{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ }. هذا عطف علىقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } وليس جواباً لشعيب عليه السلام ولا داخلاً في هذه المراجعة بينه وبينهم إذا لو كان كذلك لفصل ولم يعطف، بل ذلك ما قالوه له والمناسب فيه وصفهم بالإستكبار فهو الذي جرأهم على تهديده وإنذاره الإخراج من قريتهم المشعر بأنّهم هم أصحاب السلطان فيها، وهذا ما قالوه لقومهم إغواء لهم بصدهم عن الإيمان له، والأخذ بما جاء به، والمناسب فيه وصفهم بالكفر، فهو الحامل لهم عليه، سواء كان سببه الإستكبار عن اتباعه أو غيره، بل لو علم أولو الرأي من قومهم أن سبب صدهم عنه هو الإستكبار والعُتو لمّا أطاعوهم، ولذلك عللوا لهم صدهم عنه بما يوهمهم أنّه هو المصلحة لهم إذ قالوا لهم بصيغة القسم لئن اتبعتم شعيباً إنّكم في هذه الحالة لخاسرون، وحذف متعلّق الخسار ليعم كلّ ما يصلح له، أي خاسرون لشرفكم ومجدكم، بإيثار ملته على ملّة آبائكم وأجدادكم، ومناط عزّكم وفخركم، واعترافكم بأنّهم كانوا كافرين ضالين وإنهم معذبون عند الله تعالى - وخاسرون لثروتكم وربحكم من الناس بما خذقتموه من تطفيف الكيل والميزان وبخس الغرباء أشياءهم لابتزاز أموالهم، وأي خسارة أكبر من خسارة الشرف والثروة؟ فمعلوم أن اللام في قولهم " لئن " موطئة للقسم وهي أقوى مؤكد للكلام، والجملة الإسمية وتصديرها بإن وقرن خبرها باللام وتوسيط " إذاً " التي هي جواب وجزاء بين طرفيها - كلّ ذلك من المؤكدات لمضمونها الخادعة لسامعيها، وإن مثلها ممّا يروج بين أمثالهم في كلّ زمان، ولا سيّما زمن التفاخر بالآباء، والتعصّب للأقوام والأوطان، فإننا ابتلينا في دعوتنا إلى الإصلاح ممّن كانوا يصدون الناس عنّا وعن نصيحتنا لأهل ملّتنا بأننا لم نولد في بلادهم، ولا ننتمي إلى أحد من أجدادهم، على أننا ننتمي بفضل الله تعالى إلى آل بيت نبيّهم صلى الله عليه وسلم، وإن منهم من لا يعرف له نسب، ومنهم من ليس من القبط ولا العرب، وإننا نرى أشد الشعوب عصبية للوطن لا يجعلونها سبباً للصد عن العلوم والفنون ولا الدين ومذاهبه وإنّما التنافس بينهم في جعل كلّ واحد منهم وطنه أعزّ وأقوى وأغنى وأقنى ولو باقتباس العلم من الآخر: نرى رجال الدين الكاثوليكي من الألمان والفرنسيس أعواناً على نصر الكثلكة ونشرها في بلادهم وغيرها، كما نرى مثل هذا بين رجال البروتستانية من الألمان والإنكليز، كدأبهم وسيرتهم في العلم، فعلماء كلّ شعب يتسابقون إلى اقتباس ما يظهر عند الآخر من اختراع أو كشف عن حقيقة علميّة أو اهتداء لسنة كونيّة أو منفعة للخلق، ويعزون كلّ أمر إلى صاحبه، ويقولون إن العلم لا وطن له.

السابقالتالي
2 3 4