الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } * { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ }

بينا في تفسير الآيتين اللتين قبل هذه الآيات: أنهما بدء للإنذار - بعد بيان أصل الدعوة إلى الإسلام - بالتذكير بعذاب الأمم التي عاندت الرسل في الدنيا، وهذه الآيات تذكير بعذابهم في الآخرة - قفى به على تخويف قوم الرسول من مثل ذلك العذاب العاجل، بتخويفهم مما يعقبه من العذاب الآجل، وهو الحساب والجزاء في الآخرة.

{ فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } عطف هذا على ما قبله بالفاء لأنه يعقبه ويجيء بعده إذ كان ذلك العذاب المعبر عنه باليأس آخر أمرهم في الدنيا وقيل إن الفاء هنا هي التي يسمونها الفصيحة وقد أكد الخبر بلام القسم ونون التوكيد لأن المخاطبين من العرب في أول الدعوة كانوا ينكرون البعث والجزاء، ولتأكيد الخبر تأثير في الأنفس ولا سيما خبر المشهور بالأمانة والصدق كالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا يلقبونه قبل البعثة بالأمين والمراد بالذين أرسل إليهم جميع الأمم التي بلغتها دعوة الرسل: يسأل تعالى كل فرد منهم في الآخرة عن رسوله إليه وعن تبليغه لآياته وبماذا أجابوهم وما عملوا من إيمان وكفر، وخير وشر، ويسأل المرسلين عن التبليغ منهم، والإجابة من أقوامهم.

بين هذا الإجمال في آيات منها قوله تعالى في سورة الأنعام:يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } [الأنعام: 130] وفي سورة القصص:وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } [القصص: 65] وفي سورة العنكبوت:وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [العنكبوت: 13] ومثله في سورة النحلوَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } [النحل: 56] وهو ما ابتدعوه في الدين كجعلهم لمعبوداتهم نصيباً مما رزقوا من الحرث والأنعام، يتقربون إليهم بها بنذر أو غيره ويتقربون بهم إلى الله كما تقدم في سورة الأنعام ومنه ما ينذره القبوريون لأوليائهم، وأعم منه قوله تعالى في النحل أيضاً:وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [النحل: 93] وهو خطاب لجميع الناس ومثله في التأكيد والعموم قوله في سورة الحجر:فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الحجر: 92-93] ومنه في السؤال عن المشاعر الظاهرة والباطنةإِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء: 36] وقال تعالى في سؤال الرسل:يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } [المائدة: 109] وتقدم تفسيره في الجزء السابع.

قال ابن عباس في تفسير الآية: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا. ونحوه عن سفيان الثوري، وقيل إن الذين أرسل إليهم هم الأنبياء المرسلون، والمرسلين هم الملائكة الذين نزلوا عليهم بالوحي، وفي رواية جبريل خاصة، وهو خلاف الظاهر فإن الرسل يسألون ليكونوا شهداء على أقوامهم كما قال تعالى:فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10