الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

بعد أن بين الله تعالى جده أن رحمته العامة قريب من المحسنين في عبادتهم وفي سائر أعمالهم ذكرنا مما نغفل عنه كثيراً من التفكر والتأمل في أظهر أنواع هذه الرحمة وهو إرسال الرياح وما فيها من منافع الخلق، وإنزال المطر الذي هو مصدر الرزق، وسبب حياة كل حي في هذه الأرض، وما فيه من الدلالة على قدرته تعالى على البعث، وما يستحقه عليه من الحمد والشكر، فقال:

{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } الجملة معطوفة على ما بين به تعالى تدبيره لأمر العالم في إثر إثباته لخلق السماوات والأرض، واستوائه على العرش؛ في قوله:يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } [الأعراف: 54] إلخ وما بينهما من قبيل الاعتراض المقصود بالذات، من التذكير بهذه الآيات، وهو إخلاص العبادة له وحده بالفعل والترك، المعبر عنه بالنهي عن الإفساد في الأرض. وهو شامل لجميع ما حرمه الإسلام.

الريح الهواء المتحرك وهي مؤنثة في الأكثر وقد تذكر بمعنى الهواء، وأصلها روح بالواو وقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها (كالميزان أصلها موزان لأنها من الوزن) وجمعها رياح وأرواح وكذا أرياح وهو شاذ، والهواء من أعظم نعم الله تعالى.

الاحياء، إذ وجوده شرط لحياة كل نبات وحيوان، فلو رفعه الله تعالى من الأرض لمات كل حيوان وإنسان في طرفة عين ولا تتم منافعه إلا بحركته التي يكون بها ريحاً، وسنذيل تفسير الآيتين بنبذة علمية في بيان حقيقته وأهم منافعه العامة. ومن أهمها فعله في توليد المطر الذي هو موضوع الآية.

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (الريح) مفردة والباقون الرياح بالجمع ورسمت في المصحف الإمام بغير ألف لتحتمل القراءتين ولذلك أمثال، والرياح عند العرب أربع بحسب مهابها من الجهات الأربع: الشمال والجنوب وسميتا باسم جهة مهبهما، والثالثة الصبا والقبول وهي الشرقية، والرابعة الدبور وهي الغربية وأهل الحجاز ينسبون ريح الصبا إلى نجد والجنوب إلى اليمن والشمال إلى الشام، والريح التي تنحرف عن هذه المهاب الأصلية فتكون بين ثنتين منها تسمى النكباء مؤنث الانكب وهي من قولهم نكب عن الشيء أو عن الطريق نكباً ونكوباً إذا انحرف وتحول عنه، ومنهوَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } [المؤمنون: 74] وإذا هبت الرياح من مهاب ونواح مختلفة سموها المتناوحة. ومن المأثور عن العرب أن الرياح تشترك في إثارة السحاب الممطر فيقولون: إن الصبا تثيره والشمال تجمعه، والجنوب تدره والدبور تفرقه قال ابن دريد في وصف سحاب ممطر دعا لبلاده به:
جون أعارته الجنوب جانباً   منها وواصت صوبه يد الصبا
ثم قال:
إذا خبت بروقه عنت له   ريح الصبا تثير منه ما خبا
وإن ونت رعوده حداً بها   حادي الجنوب فحدت كما حدا

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد