الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ }

قوله تعالى: { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } يدل على إن حالة الآخرة تقتضي إمكان إفاضة أهل الجنة الماء وغيره على أهل النار على ما بين المكانين من الارتفاع والانخفاض، وقد بينا وجه المعقول في مقدمة تفسير هذا السياق. وإفاضة الماء صبه ومادة الفيض فيها معنى الكثرة، وما رزقهم الله يشمل الطعام وغير الماء من الاشربة و " أو " في قوله: { أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } للتخيير فهي لا تمنع الجمع بين الماء والطعام، ويقدر بعضهم فعلاً مناسباً للرزق على حد
* علفتها تبناً وماء بارداً *   
والصواب إن الفيض والإفاضة يستعملان في غير الماء والدمع فيقال فاض الرزق والخير وأفاض عليه النعم، ومن الأمثال أعطاه غيضاً من فيض - أي قليلاً من كثير.

وعد الزمخشري الإفاضة في الحديث من الحقيقة خلافاً للراغب الذي جعلها استعارة. والمعنى أن أهل النار يستجدون أهل الجنة أن يفيضوا عليهم من النعم الكثيرة التي يتمتعون بها من شراب وطعام، وقدموا طلب الماء لأن من كان فيسَمُومٍ وَحَمِيمٍ } [الواقعة: 42] يكون شعوره بالحاجة إلى الماء البارد أشد من شعوره بالحاجة إلى الطعام الطيب.

روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذا الاستجداء: ينادي الرجل أخاه فيقول: يا أخي أغثني فإني قد احترقت فأفض عليَّ من الماء، فيقال أجبه، فيقول إن الله حرمهما على الكافرين. وعن ابن زيد في الطلب قال: يستسقونهم ويستطعمونهم - وفي قوله: { حَرَّمَهُمَا } قال طعام الجنة وشرابها. وروى عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والبيهقي في شعب الإيمان أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) شرب ماء بارداً فبكى فسئل ما يبكيك؟ قال ذكرت آية في كتاب اللهوَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [سبأ: 54] فعرفت أن أهل النار لا يشتهون إلا الماء البارد وقد قال الله عز وجل: { أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } اهـ. وفيه أن الآية لا حصر فيها. وفي الشعب والتفسير المأثور عنه أيضاً أنه سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصدقة سقي الماء؛ ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا: { أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } " وروى أحمد عن " سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال يا رسول الله أتصدق عليها؟ قال: " نعم " قال فأي الصدقة أفضل؟ قال: " سقي الماء " ".

{ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } الحرام في اللغة الممنوع، والتحريم وهو المنع قسمان: تحريم بالحكم والتكليف كتحريم الله الفواحش والمنكرات وأرض الحرم أن يؤخذ صيدها أو يقطع شجرها أو يختلى خلاها (أي ينزع حشيشها الرطب).

السابقالتالي
2