الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } * { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }

هذا النداء حقيق أن يكون من النبيين أو من دونهم من الشهداء ولا مانع من صدوره عمن تساوت حسناتهم وسيئاتهم على ما نذكر في تفسيره { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } كرر ذكرهم مع قرب العهد به فلم يقل (ونادوا) لزيادة التقرير وكون هذا النداء خاصاً في موضوع خاص فكان مستقلاً دون ما قبله الموجه إلى أهل الجنة في جملتهم، والظاهر أن هذا النداء يكون من بعضهم لمن كانوا يعرفونهم في الدنيا من المستكبرين بغناهم وقوتهم المحتقرين لضعفاء المؤمنين لفقرهم وضعف عصبيتهم، أو لحرمانهم من عصبة تمنعهم وتذود عنهم، الذين كانوا يزعمون أن من أغناه الله تعالى وجعله قوياً في الدنيا هو الذي يعطيه نعيم الآخرة إن كان هنالك آخرةوَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [سبأ: 34-35] ومنهم طغاة قريش الذين قاوموا الإسلام في مكة واضطهدوا أهله كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.

وقد ذكروا أنهم يعرفونهم بسيما أهل النار العامة كسواد الوجوه: وزرقة العيون. والذي يظهر أنهم يعرفونهم بسيماهم الخاصة التي كانوا عليها في الدنيا أو بسيما المستكبرين إذ ورد ما يدل على أن لكل من تغلب عليهم رذيلة خاصة صفة وعلامة تدل عليهم. وفي الصحيح " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة " فيعرفه فيشفع له فلا تقبل شفاعته ثم يمسخه الله ذيخاً منتناً ليزول عن إبراهيم خزيه. قال العلماء إن مسخه ضبعاً مناسب لحماقته ونتن الشرك (راجع ج7) والاستفهام هنا للتوبيخ والتقريع. أي ما أغنى عنكم جمعكم للمال وكذا للرجال عند القتال واستكباركم على المستضعفين والفقراء من أهل الإيمان، وهو لم يمنع عنكم العذاب، ولا أفادكم شيئاً من الثواب؟.

{ أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ } أي يشيرون إلى أولئك المستضعفين الذين كانوا يضطهدونهم ويعذبونهم في الدنيا كآل ياسر وصهيب الرومي وبلال الحبشي، ويقولون لهم متهكمين بخزيهم وفوز من كانوا يحتقرونهم: أهؤلاء الذين أقسمتم في الدنيا أن الله تعالى لا ينالهم برحمة لأنه لم يعطهم من الدنيا ما أعطاكم. { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } أي قيل لهم من قبل الرحمن عز وجل: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم، ولا أنتم تحزنون من جراء شيء ينغص عليكم حاضركم، وحذف القول للعلم به من قرائن الكلام كثير في التنزيل وفي كلام العرب الخلص، ولكنه قل في كلام المولدين، حتى لا تراه إلا في كلام بعض بلغاء المنشئين، وقيل إن أهل الأعراف هم الذين يقولون لهؤلاء ادخلوا الجنة إلخ وهو بعيد بل لا يصح مطلقاً على القول بأنهم الذين استوت حسناتهم وسيآتهم إذ لا يليق بحالهم أن يخاطبوا من هم فوقهم بهذا الأمر لا قبل دخول الجنة ولا بعده وهو وإن كان يليق من الملائكة أو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالمتبادر الأول وهو الحكاية بتقدير القول وروي عن عكرمة.

السابقالتالي
2