الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } * { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } * { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

بعد أن ذكر سبحانه النار وأهلها، والجنة وأهلها، بين لنا في هذه الآيات وما بعدها بعض ما يكون بين الفريقين - فريق الجنة وفريق السعير - من الحوار بعد استقرار كل منهما في داره، وتمكنه في قراره، وهي تدل على أن الدارين في عالم واحد، أو أرض واحدة، يفصل بينهما حجاب هو سور واحد لا يمنع من إشراف أهل الجنة وهم في عليين، على أهل النار وهم في سجين من هاوية الجحيم، فيخاطب بعضهم بعضاً بما يزيد أهل الجنة عرفاناً بقيمة نعمة الله عليهم، ويزيد أهل النار حسرة على تفريطهم وشقاء على شقائهم.

ولا يقتضي هذا النوع من الاتصال القرب المعهود عندنا في الدنيا بين المتخاطبين وهو كون المسافة بينهما تقاس بالذراع أو الباع، بل يجوز أن تكون بحيث تحدد بما عندنا من الأشهر أو الأيام؛ لأن شأن الآخرة أن تغلب فيه الروحانية على المادة الجسدية، فيمكن للإنسان أن يسمع من هو على بعد شاسع منه ويراه، وقد كان هذا المعنى غريباً بعيداً عن المألوف عند أجدادنا الأولين، ولا يكاد يوجد الآن في العالم المدني من يستبعده بعد اختراع البشر للآلات التي يتخاطبون بها من أبعاد ألوف الأميال، إما بالإشارات الكاتبة كالتلغراف السلكي واللاسلكي أو بالكلام اللساني كالتليفون السلكي واللاسلكي، وقد نبأتنا أخبار الاختراعات في الشمال بصنع آلة تجمع بين الرؤية والخطاب، إن كان لما يتم صنعها فقد كاد. قال عز وجل:

{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } التعبير بالماضي عن المستقبل معهود في الأساليب العربية البليغة، وأشهر نكته جعل المستقبل في تحقق وقوعه كالذي وقع بالفعل، والمعنى أن أصحاب الجنة سوف ينادون أصحاب النار حتى إذا ما وجهوا أبصارهم إليهم سألوهم سؤال تبجح وافتخار بحسن حالهم، وتهكم وتذكير بما كان من جناية أهل النار على أنفسهم بتكذيب الرسل، وتقرير لهم بصدق ما بلغوهم من وعد ربهم لمن آمن وأصلح بنعيم الجنة قائلين: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً وها نحن أولاء فيه فهل وجدتم ما وعد ربكم من آمن به وبما جاءت به رسله حقاً؟

قالوا { وَعَدَنَا رَبُّنَا } ولم يقولوا لأهل النار (وعدكم ربكم) بل حذفوا المفعول - لأنه قد عرف حينئذ أن أهل الجنة محل لذلك الوعد بالجنة وإن أهل النار ليسوا محلاً له، فسألوهم عن الوعد المطلق كما وجه إلى الناس كافة في الدنيا على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام معلقاً على الإيمان والتقوى والعمل الصالح في مثل قوله:مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الرعد: 35]

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد