الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

من سنة القرآن الجمع بين الوعد والوعيد والثواب والعقاب يبدأ بأحدهما لمناسبة السياق قبله ويقفي عليه بالآخر، ولهذا عطف بيان جزاء السعداء على بيان جزاء الأشقياء فقال:

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي والذين آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا الأعمال الصالحات على الوجه الذي دعتهم إليه الرسل، وهي لا عسر فيها ولا حرج إذ { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } أي لا نفرض على المكلف إلا ما يكون في وسعه، وهو ما لا يضيق به ذرعه، ولا يشق عليه أداؤه، وهذه جملة معترضة هنا، وقد تقدم مثلها في آخر سورة البقرة، (مع إسناد الفعل المنفي إلى اسم الجلالة) وما في معناها من إرادة اليسر دون العسر في آيات الصيام منها، ومن عدم إرادة الحرج في آية الوضوء من سورة المائدة فهذه الآيات نصوص قطعية في يسر الدين وسهولته وهي حجة قطعية على ما أحدثه المتوسعون في الاستنباط والاجتهاد في أحكام العبادات التي جعلوها حملاً ثقيلاً يعسر تعلمه، ولا يدخل في وسع أحد عمله، (إلا المتنطعين من العباد) حتى إن أحكام الطهارة وحدها لا يمكن تلقي ما كتبوه فيها إلا في عدة أشهر.

{ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي أولئك الجامعون بين الإيمان والأعمال التي تصلح بها نفس الإنسان، وتزكو فتكون أهلاً للنعيم والرضوان، هم أصحاب الجنة الذين يخلدون فيها أبداً، وقد تكرر نظيره.

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ } أي ونزعنا ما كان في قلوبهم من حقد وضغن مما يكون من عداوة أو حسد في الدنيا فلا يدخلون الجنة وفي قلوبهم أدنى لوثة مما لا يليق بتلك الدار وأهلها، ويكون من أسباب تنغيص النعيم فيها، تجري من تحتهم الأنهار فيرونها وهم في غرفات قصورهم تتدفق في جناتها وبساتينها فيزدادون حبوراً لا تشوبه شائبة كدر. روى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا فيدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل " وروى هو وابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فيشربون من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور، واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلن يشعثوا ولن يشحبوا بعدها أبداً. وروي عن قتادة أن علياً (كرم الله وجهه) قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ }.

السابقالتالي
2 3