الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } * { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }

هذا بدء سياق طويل في وصف جزاء الكافرين بالله وبما جاءت به رسله وجزاء المؤمنين بذلك مفصلاً تفصيلاً مبنياً على السياق الذي قبله ولا سيما خاتمته وهي خطاب بني آدم بالجزاء على اتباع الرسل وعدمه مجملاً. قال تعالى:

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } أي إذا كان الأمر كما ذكر في الآيات السابقة - وهو كذلك - فلا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً ما بأن أوجب على عباده من العبادات ما لم يوجبه أو حرم عليهم في الدين ما لم يحرمه أو عزا إلى دينه أي حكم لم ينزله على رسله، أو كذب بآياته المنزلة عليهم بالقول أو بما هو أدل منه وهو الإستكبار عن اتباعها، أو الاستهزاء بها، أو تفضيل غيرها عليها بالعمل -.

{ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ } في الكتاب وجهان: (أحدهما): أنه كتاب الوحي الذي أنزل على الرسل (واللام للجنس) وهو ظاهر قول مجاهد في تفسير نصيبهم منه: " ما وعدوا فيه من خير وشر " فإن الكتاب الإلهي هو الذي يتضمن الوعد على الأعمال أي والوعيد بدليل بيانه بالخير والشر. وهو عام يشمل جزاء الدنيا والآخرة. (وثانيهما): أنه كتاب المقادير الذي كتب الله فيه نظام العالم كله ومنها أعمال الأحياء الإختيارية وما يبعث عليها من الأسباب وما يترتب عليها من المسببات كالسعادة والشقاء والصحة والمرض إلخ، وقد تقدم الكلام المفصل فيه في تفسيروَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } [الأنعام: 59] من تفسير سورة الأنعام وعليه ابن عباس إذ قال في تفسير النصيب من الآية: ما قدر لهم من خير وشر، وفي رواية أخرى عنه: ما كتب عليهم من الشقاء والسعادة.

وفسر محمد بن كعب القرظي النصيب بالرزق والأجل والعمل وروي أيضاً عن الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وفسره أبو صالح والحسن بالعذاب، ولا خلاف بين الوجهين فما وعدوا به في كتاب الدين هو الذي أثبت في كتاب المقادير، وإنما الخلاف في نفس النصيب الذي ينالهم هل هو خاص بالدنيا أم بالآخرة أم عام فيهما؟ ورجح الأول بموافقته لمثل قوله:كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } [الإسراء: 20] وقوله:نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [لقمان: 24] وبموافقته لما تدل عليه حتى من الغاية في قوله عز وجل:

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } أي ينالهم نصيبهم الذي كتب لهم مدة حياتهم حتى إذا ما انتهى بانتهاء آجالهم وجاءتهم رسلهم يتوفونهم - وهم الملائكة الموكلون بالتوفي أي قبض الأرواح من الأجساد - { قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي يسألهم رسل الموت حال كونهم يتوفونهم أين الذين كنتم تدعونهم غير الله في حال الحياة لقضاء الحاجات ودفع المضرات؟ أدعوهم لينجوكم مما أنتم فيه الآن.

السابقالتالي
2 3 4 5