الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

روى مسلم في صحيحه والنسائي والبيهقي في سننهما ومخرجوا التفسير المأثور عن ابن عباس أن النساء كن يطفن بالبيت عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول:
اليوم يبدو كله أو بعضه   وما بدا منه فلا أحله
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال كان الناس يطوفون بالبيت عراة يقولون: لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها فطافت، ووضعت يدها على قبلها وقالت: (البيت) فنزلت هذه الآية { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } إلى قوله { وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } والروايات في هذا المعنى كثيرة عن ابن عباس وتلاميذه وغيرهم من مفسري السلف وفي بعضها عنه أنهم كانوا يطوفون بالليل عراة وأكثرها مطلقة. وفي بعضها عنه: كانت العرب إذا حجوا فنزلوا في أدنى الحل نزعوا ثيابهم ووضعوا رداءهم ودخلوا مكة بغير رداء إلا أن يكون للرجل منهم صديق من الحمس فيعيره ثوبه ويطعمه من طعامه، فأنزل الله { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ }.

وفي رواية عن طاوس أنهم كانوا يضعون ثيابهم خارجاً من المسجد ويدخلون فإذا دخل رجل وعليه ثيابه يضرب وتنزع عنه ثيابه فنزلت. وعن قتادة حكاية ذلك عن حي من اليمن، والصواب أنه عام ولم يكن أحد من العرب يلبس ثيابه في الطواف إلا الحمس من قريش فإنهم كانوا يميزون أنفسهم على سائر الناس: يطوفون بثيابهم - وهذا حسن في نفسه دون الإنفراد به - ويأتون البيت من ظهره لا من بابه إذا كانوا محرمين، وقد أبطل هذا كتاب الله تعالى بقولهوَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [البقرة: 189] ويقفون عند المشعر الحرام (جبل قزح) بمزدلفة لا في عرفات. ويعللون هذا بأنهم أهل الحرم فلا يخرجون منه، وعرفة خارج حد الحرم المعروف بالعلمين المنصوبين اللذين ينفر الحجاج من بينهما عند الدفع منها إلى المزدلفة، ولذلك ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في حجة الوداع إلى الموقف كانت قريش لا تشك في أنه يقف عند المشعر الحرام بمن معه من قريش ويأمر الناس بأن يذهبوا إلى عرفة فيقفون فيها فخاب ظنهم، وأبطل النبي صلى الله عليه وسلم امتيازهم وسن لهم ولغيرهم المساواة. وبدأ صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى إنه أبى أن يتخذ لنفسه مكاناً في منى يستظل فيه من الشمس لما أرادوا عمله له.

وقال " منى مناخ من سبق " رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن عائشة بسند صحيح.

وجملة القول: أن الروايات في سبب نزول هاتين الآيتين قد روي مثلها في نزول ما قبلهما من آيات اللباس كما تقدم مختصراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد