الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

بعد أن قص الله تعالى على بني آدم قصة نشأتهم الأولى وما خلقوا مستعدين له من السعادة ونعيم الجنة، وما يصدهم عن ذلك من وسوسة الشيطان وإغوائه، رتب عليها هذه النصائح الهادية لهم إلى أقوم طرق تربيتهم لأنفسهم - كما قلنا في بيان تناسب الآيات في أول ذلك السياق - فقال:

{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً } الريش لباس الحاجة والزينة مستعار من ريش الطائر وليس في أجناس الحيوان كالطير في كثرة أنواع ريشها وبهجة مناظرها وتعدد ألوانها فهي جامعة لجميع المنافع، والزينة ومنها ما هو أجمل من جميع ما في الطبيعة، وقرأ أبو زيد عن المفضل (ورياشاً) وهو مروي عن زر بن حبيش والحسن البصري، وفيه حديث مرفوع قال ابن جرير في إسناده نظر.

قيل: الرياش جمع ريش، فهو كشعب وشعاب وذئب وذئاب، وقال الجوهري الريش والرياش بمعنى كاللبس واللباس، وهو اللباس الفاخر. وقال ابن السكيت الرياش مختص بالثياب والأثاث، والريش قد يطلق على سائر الأموال.

وقال ابن جرير: ويحتمل أن يكون أراد به مصدراً من قول القائل راشه الله يريشه رياشاً وريشاً كما يقال لبسه يلبسه لباساً ولبساً (بكسر اللام) ثم قال: والرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يحشى من فراش أو دثار، والريش إنما هو المتاع والأموال عندهم، وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال، يقولون أعطاه سرجاً بريشه - أي بكسوته وجهازه، ويقولون إنه لحسن ريش الثياب. وقد يستعمل الرياش في الخصب ورفاهة العيش.

ثم نقل عن بعض مفسري السلف ما يؤيد هذه الأقوال، فعن ابن عباس ومجاهد والسدي وعروة بن الزبير أن الريش المال، وعن آخرين أنه المعاش أو الجمال.

والمختار عندنا من هذه الأقوال إنه لباس الحاجة والزينة معاً بدليل إقترانه بلباس الستر الذي يواري العورات ولباس التقوى.

خاطب الله تعالى بني آدم في هذه الآية وأمثالها بالنداء الذي يخاطب به البعيد لما كان عليه عربهم وعجمهم عند نزول هذه السورة في مكة من البعد عن الفطرة السليمة، والشرعة القويمة، تنبيها للأذهان، بما يقرع الآذان، فامتن عليهم - بعد أن أنبأهم بما كان من عري سلفهم الأول - بما أنعم به عليهم من اللباس على اختلاف درجاته وأنواعه من الأدنى الذي يستر السوأة عن أعين الناس إلى أنواع الحلل التي تشبه ريش الطير في وقاية البدن من الحر والبرد بستر جميع البدن وما في ذلك من أنواع الزينة والجمال اللائقة بجميع ذكران البشر وإناثهم، على اختلاف أسنانهم وأحوالهم.

فهو يقول يا بني آدم إنّا بما لنا من القدرة والنعمة والرحمة قد أنزلنا عليكم من علو سمائنا بتدبيرنا لأموركم من فوق عرشنا، لباساً يواري سوآتكم وهو أدنى اللباس وأقله الذي يعد فاقده ذليلاً مهيناً - وريشاً تتزينون به في مساجدكم ومجالسكم ومجامعكم، وهو أعلاه وأكمله، وبينهما لباس الحاجة وهو ما يقي الحر والبرد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد