الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } * { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } * { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }

هذه الآيات تتمة السياق الوارد في النشأة الأولى للبشر وشياطين الجن أنزلت تمهيداً لهداية الناس بما يتلوها من الآيات في وعظ بني آدم وإرشادهم إلى ما تكمل به فطرتهم كما بيناه في بحث التناسب بين الآيات السابقة.

{ ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } أي وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة - كما هو نص التعبير في سورة البقرة - فهو معطوف على قوله تعالى في أول السياق:ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } [الأعراف: 11] وهذا أظهر من جعله معطوفاً على قوله تعالى في الآية السابقة لهذه:قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } [الأعراف: 18] فإن إخراجه من الجنة - على قول الجمهور - كان بعد الوسوسة لآدم كما هو مبين في هذه الآيات والنداء يفيد الإهتمام بالأمر بعده.

والأمر بالسكنى قيل للإباحة وقيل للوجوب بناء على أنه أمر تكليف يقابله جعله أمراً تكوينياً قسرياً كما تقدم مثله في أمر إبليس واللام في الجنة للعهد الخارجي وهي الجنة التي خلق فيها أو لديها آدم ومثله قوله تعالى في سورة ن:إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } [القلم: 17] لأن آدم خلق من الأرض في الأرض ولم يرد في شيء من آيات قصته المكررة في عدة سور أن الله رفعه إلى الجنة التي هي دار الجزاء على الأعمال، وتقدم بيان الخلاف في هذه الجنة في تفسير القصة في سورة البقرة والجمهور على أنها جنة الآخرة.

والآية تدل على أن آدم كان له زوج أي امرأة، وليس في القرآن مثل ما في التوراة من أن الله تعالى ألقى على آدم سباتاً انتزع في أثنائه ضلعاً من أضلاعه فخلق له منه حواء امرأته وأنها سميت امرأة " لأنها من امرئ أخذت " وما روي في هذا المعنى فهو مأخوذ من الإسرائيليات وحديث أبي هريرة في الصحيحين " فإن المرأة خلقت من ضلع " على حدخُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [الأنبياء: 37] بدليل قوله: " فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء " أي لا تحاولوا تقويم النساء بالشدة، ووثنيوا الهند يزعمون أن لآدم أماً ولها في مدينتهم المقدسة (بنارس) قبر عليه قبة بجانب قبة قبره، وقيل إن المراد بأمه عندهم الرمز إلى الطبيعة. والآية ترشد إلى أن المرأة تابعة للرجل في السكنى والمعيشة باقتضاء الفطرة وهو الحق الواقع الذي يعد ما خالفه شذوذاً.

{ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } أي فكلا من ثمارها حيث شئتما - وفي سورة البقرة:وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } [البقرة: 35] - ومن سنة القرآن أن يتضمن التكرار للقصص فوائد في كل منها لا توجد في الأخرى من غير تعارض في المجموع.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد