الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

هذه دلالة على الطريقة الموصلة لنيل الرحمة بالقرآن، والحصانة من نزغ الشيطان، وهي الإستماع له إذا قريء والإنصات مدّة القراءة. والإستماع أبلغ من السمع لأنّه إنّما يكون بقصد ونيّة وتوجيه الحاسة إلى الكلام لإدراكه، والسمع ما يحصل ولو بغير قصد، والإنصات السكوت لأجل الإستماع حتى لا يكون شاغلاً عن الإحاطة بكل ما يقرأ. فمن استمع وأنصت كان جديراً بأن يفهم ويتدبر، وهو الذي يرجى أن يرحم. والآية تدل على وجوب الإستماع والإنصات للقرآن إذا قريء قيل مطلقاً سواء كانت القراءة في الصلاة أو خارجها، وهو مروي عن الحسن البصري وعليه أهل الظاهر، وخصّه الجمهور بقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده وبقراءة الصلاة والخطبة من بعده، وزعم بعضهم أن الآية نزلت في خطبة الجمعة وهو غلط فإن الآية مكّية وصلاة الجمعة شرعت بعد الهجرة وقال بعضهم إن الأمر للندب لا للوجوب ولكن روي أنّهم كانوا يتكلّمون في الصلاة فحرّم بنزولها الكلام فيها.

وحكى ابن المنذر الإجماع على عدم وجوب الإستماع والإنصات في غير الصلاة والخطبة. وذلك أن إيجابهما على كلّ من يسمع أحداً يقرأ فيه حرج عظيم لأنّه يقتضي أن يترك له المشتغل بالعلم علمه، والمشتغل بالحكم حكمه، والمبتاعان مساومتهما وتعاقدهما وكلّ ذي شغل شغله. فأما قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم فكان بعضها تبليغاً للتنزيل وبعضها وعظاً وإرشاد فلا يسع أحداً من المسلمين يسمعه يقرأ أن يعرض عن الإستماع أو يتكلّم بما يشغله أو يشغل غيره عنه، وهذا شأن المصلي مع إمامه وخطيبه، إذ هو موضوع الصلاة والواجب فيها، ولهذا استدلوا بالآية على امتناع القراءة خلف الإمام في الصلاة الجهرية واستثنى بعضهم الفاتحة لما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصلاة لا تجزيء بدونها جمعاً بين النصوص. وورد في السنّة سكوت الإمام بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة. على أنّه إذا قرأ الفاتحة مع الإمام أو بعده آية آية لا يعد غير مستمع للقرآن ولا غير منصت، وقد بيّنا تحقيق الحق في قراءة الفاتحة لمأموم كغيره في متممات تفسيرها من الجزء الأوّل.

ومن فروع طلب الإستماع والإنصات أن القاريء لا يطلب منه ترك قراءته للإستماع لقاريء آخر بل يختار لنفسه ما يراه خيراً لها من الأمرين، فقد يخشع بعض الناس بقراءة نفسه، ويخشع آخر بالإستماع من غيره، أو من بعض القرّاء دون بعض، وإذا تعدد القرّاء في مكان استمع كلّ حاضر لمن كان أقرب إليه أو لمن يرى قراءته أشد تأثيراً في نفسه. وما يفعله جماهير الناس في المحافل التي يقرأ فيها القرآن بمصر كالمآتم وغيرها من ترك الإستماع والإشتغال بالأحاديث المختلفة مكروه كراهة شديدة، وتكون على أشدّها لمن كانوا على مقربة من التالي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد