الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

الإجتباء إفتعال وإختصاص من الجباية. يقال جبى العامل المال يجبيه وجباه يجبوه إذا جمعه للسلطان القيم على بيت مال الأمّة. و: اجتباه إذا جمعه واصطفاه لنفسه أو احتازه لها، وفي الكشاف اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه كقولك اجتمعه - أو جبي إليه فاجتباه أي أخذه، كقولك جليت إليه العروس فاجتلاها اهـ. والآية هنا آية القرآن كما روي عن ابن عباس أو المعجزة المقترحة من قبل المشركين كما روي عن مجاهد وقتادة.

والمعنى وإذا لم تأتهم أيّها الرسول بآية قرآنية بأن تراخى نزول الوحي زمنا ما قالوا لولا افتعلت نظمها وتأليفها واخترعتها من تلقاء نفسك: أو إذا لم تأتهم بآية مما اقترحوا عليك قالوا: هلا جباها الله لك بأن مكنك منها فاجتبيتها وأبرزتها لنا: { قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي } فما أنا بمتدع ولا مجتب لشيء من آيات القرآن بعلمي وبلاغتي بل أنا عاجز عن مثله كعجزكم وعجز سائر الإنس والجن وفي معناه:وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } [يونس: 15] - أو ما أنا بقادر على إيجاد الآية الكونية ولا بمفتات على الله في طلبها وإنّما أنا متبع لما يوحى إليّ فضلاً من ربي عليَّ أن جعلني المبلغ عنه - وما عليّ إلاّ البلاغ المبين، { هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } أي هذا القرآن الذي أوحاه إليّ بصائر وحجج ناهضة من ربّكم يعود من تأملها وعقلها بصير العقل بما تدل عليه من الحق إذ هي أدل عليه مما تطلبون من الآيات الكونية لأنّها تدل عليه مباشرة. وقد سبق في سورة الأنعام تفسير قوله تعالى:قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } [الأنعام: 104] فيراجع لزيادة البيان { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي وهو هدى كامل يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ورحمة في الدنيا والآخرة للذين يؤمنون به: كما قال تعالى في سورة الأنعام أيضاً:وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } [الأنعام: 155-157] الآية قيل إن قوله تعالى لقوم يؤمنون متعلق بالثلاثة وقيل بالهدى والرحمة لأن البصيرة قد يتأمّلها العاقل فيؤمن.