الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } * { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }

بيّن الله تعالى في الآية التي قبل هذه الآيات أفضل ما يعامل البشر به بعضهم بعضاً من الوصايا الثلاث التي لا يمكن شرح التعامل بها تفصيلاً إلاّ بسفر كبير، ولو عمل الناس بهذه الوصايا لصلحت أحوالهم ولم يجد الفساد إليهم سبيلاً - ثمّ قفى عليها بهذه الثلاث الآيات في الوصية باتقاء إفساد الشيطان أي جنسه لجنس البشر، والمراد هنا شياطين الجن المستترة، فالتناسب القريب بينهن وبين ما قبلهن المقابلة بين معاملة البشر ومعاملة الجنّ، ومن فروعه التناسب بين الجاهلين أي السفهاء الذين أمرت الآية السابقة بالإعراض عنه إتقاء لشرهم، وبين الشياطين التي أمرت هذه الآيات بالإستعاذة بالله منهم إتقاء لشرهم، وبعبارة أخرى: إتقاء شر شياطين الإنس وشياطين الجن، فإن الشيطان هو الشرير المفسد من الفريقين كما تقدم في سورة الأنعام، ومن فسر آياتهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [الأعراف: 189]، إلخ بما مرّ من أن شرك الأبوين فيما آتاهما الله من الولد الصالح كان بإغواء الشيطان يرجعون إليه في التناسب بين الآيات، ويقولون إن الآية بينت لنا أن وسوسة الشيطان لأبوينا كانت سبب ما وقع لهما من الشرك فيما آتاهما من الولد - والأولى إرجاع التناسب في هذه المسألة إلى ما بين في أوائل السورة من خلق آدم وحواء ووسوسة الشيطان لهما - وما بين في خواتيمها من الإرشاد إلى إتقاء نزغ الشيطان ومسّه - وهو ما أشرنا إليه في بدء سياق هذه الخاتمة.

قوله تعالى: { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ } قال الراغب النزغ دخول في أمر لإفساده. واستشهد له بقول يوسف عليه السلام:مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ } [يوسف: 100]. وفي الأساس: نزغه مثل نسغه إذا طعنه ونخسه. ومن المجاز: نزغه الشيطان كأنّه ينسخه ليحثه على المعاصي. ونزغ بين الناس - أفسد بينهم بالحث على الشر اهـ فالنزغ كالنسغ والنخس والنخز والنغز والنكز والوكز والهمز ألفاظ متقاربة المعنى وأصّله إصابة الجسد برأس شيء محدد كالإبرة والمهماز والرمح أو ما يشبه المحدد كالإصبع والمراد من نزغ الشيطان إثارته داعية الشر والفساد في النفس بداعية غضب أو شهوة حيوانية أو معنوية بحيث تتقحم بصاحبها إلى العمل بتأثيرها كما تنخس الدابة بالمهماز لتسرع وغلب إستعماله في الشر فقط، وإنّما قال ينزغنك نزغ والمراد نازغ لأن إسناد الفعل إلى المصدر أبلغ. والشيطان تقدم الكلام فيه وفي الجن مراراً أوسعها ما ورد في تفسير قوله تعالى:وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ } [الأنعام: 68] الآية وتفسير قوله تعالى:كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 71] الآية وكلتاهما من سورة الأنعام وتفسير قصة آدم من هذه السورة والذي يناسب منها ما هنا وهو إغواء الناس بالوسوسة قوله تعالى حكاية عن الشيطان:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10