الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤصۤ } * { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }

{ الۤمۤصۤ } هذه حروف مركبة في الرسم بشكل كلمة ذات أربعة أحرف ولكنها تقرأ بأسماء هذه الأحرف ساكنة هكذا: ألف. لام. ميم. صاد. والمختار عندنا أن حكمة افتتاح هذه السورة وأمثالها بأسماء حروف ليس لها معنى مفهوم غير مسمى تلك الحروف التي يتركب منها الكلام هي تنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه بعد هذا الصوت من الكلام حتى لا يفوته منه شيء. فهي كأداة الإفتتاح " ألا " وهاء التنبيه. وإنما خصت سور معينة من الطول والمئين المثاني والمفصل بهذا الضرب من الإفتتاح لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتلوها على المشركين بمكة لدعوتهم بها إلى الإسلام وإثبات الوحي والنبوة، وكلها مكية إلا الزهراوين البقرة وآل عمران - وكانت الدعوة فيهما موجهة إلى أهل الكتاب - وكلها مفتتحة بذكر الكتاب إلا سورة مريم وسورتي العنكبوت والروم وسورة (ن). وفي كل منهما معنى مما في هذه السورة يتعلق بإثبات النبوة والكتاب.

فأما سورة مريم فقد فصلت فيها قصتها بعد قصة يحيى وزكريا المشابهة لها. ويتلوهما ذكر رسالة إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس مبدوءاً كل منها بقوله تعالى:وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ } [مريم: 16] والمراد بالكتاب القرآن. فكأنه قال في كل من قصة زكريا ويحيى وقصة مريم وعيسىوَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ } [مريم: 16] وذكر هذه القصص في القرآن من دلائل كونه من عند الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم هذا لا هو ولا قومه كما صرح به في سورة هود بعد تفصيل قصة نوح مع قومه بقوله:تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود: 49] وكما قال في آخر سورة يوسف بعد سرد قصته مع إخوته:ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } [يوسف: 102].

وختمت هذه السورة " أي سورة مريم " بإبطال الشرك وإثبات التوحيد ونفي إتخاذ الله تعالى للولد وتقرير عقيدة البعث والجزاء. فهي بمعنى سائر السور التي كانت تتلى للدعوة ويقصد بها إثبات التوحيد والبعث ورسالة خاتم النبيين وصدق كتابه الحكيم.

وأما سورة العنكبوت وسورة الروم فكل منهما قد افتتحت بعد " ألم " بذكر أمر من أهم الأمور المتعلقة بالدعوة.

فالأول الفتنة في الدين، وهي إيذاء الأقوياء للضعفاء واضطهادهم لأجل إرجاعهم عن دينهم بالقوة القاهرة. كان مشركو قريش يظنون أنهم يطفئون نور الإسلام ويبطلون دعوته بفتنتهم للسابقين إليه وأكثرهم من الضعفاء الذين لا ناصر لهم من الأقوياء بحمية نسب ولا ولاء. وكان المضطهدون من المؤمنين يجهلون حكمة الله بظهور أعدائه عليهم، فبين الله في فاتحة هذه السورة أن الفتنة في الدين من سنته تعالى في نظام الإجتماع يمتاز بها الصادقون من الكاذبين، ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، وتكون العاقبة للمتقين الصابرين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد