الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }

هذه الآيات تتمة لما قبلها من آيات التوحيد مقرّرة ومؤكدة لمضمونها، لأن توحيد العبادة ونفي الشرك فيها هو أسس الإسلام، ولا يتقرر في الإذهان، ويثبت في الجنان، ويكمل بالوجدان، إلاّ بتكرار، الآيات فيه نفياً وإثباتاً لمضمون كلمة (لا إله إلاّ الله).

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } الدعاء مخ العبادة وركنها الأعظم فلا يصحّ توحيد أحد لله إلاّ بدعائه وحده وعدم دعاء أحد معه كما قالفَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } [الجن: 18] والمفسرون يقولون إن الدعاء في مثل هذه الآيات معناه العبادة من باب تسمية الكل بإسم الجزء فصاروا يفسرون " تدعون " بتعبدون فضلّ بعض العوام من القارئين وغيرهم في هذا التعبير وظنّوا أن المرء لا يكون عابداً لغير الله تعالى إلاّ إذا كان يصلي له الصلاة المعروفة ويصوم لأجله، وإنّه لا ينافي توحيد الله تعالى أن يدعى غيره معه أو يدعى من دونه بقصد التوسل إليه والإستشفاع لديه، إذا كان لا يصلّي ولا يصوم له.

وقال بعضهم: إن الدعاء هنا بمعنى التسمية فيكون الإنكار فيه خاصاً بتسميتهم لأصنامهم وغيرهم من معبوداتهم آلهة. وكلّ من هذا وذاك ضرب من ضروب الإحتمالات اللفظية التي يتعلق بها من أشرك بالله جاهلاً بمعنى الشرك ممن يدعون الموتى من الصالحين لدفع الضرّ عنهم أو جلب الخير لهم، من غير طريق الأسباب التي هي من تناول كسبهم وسعيهم، ولكنهم لا يسمونهم آلهة. وهذا هو الشرك الأكبر الذي نعي على المشركين من قبلهم لا مجرد التسمية التي لا تكون بدونه صحيحة.

والحق الذي لا معدل عنه أن الدعاء هنا هو النداء لدفع الضر أو جلب النفع الموجه إلى من يعتقد الداعي أن له سلطاناً يمكنه به أن يجيبه إلى ما طلبه بذاته أو بحمله للرّب الخالق على ذلك بحيث يجيب دعاء الداعي لأجله.

يقول تعالى إن الذين تدعونهم من دون الله هم عباد الله أمثالكم في كونهم مخلوقين لله تعالى خاضعين لسننه في خلقه، وإذا كانوا أمثالكم امتنع عقلاً أن تطلبوا منهم ما لا تستطيعون نيله بأنفسكم ولا بمساعدة أمثالكم لكم فيما يتوقف على التعاون في إتخاذ الأسباب له. وإنّما يدعى لما وراء الأسباب المشتركة بين الخلق الرّب الخالق المسخر للأسباب الذي تخضع لإرادته الأسباب وهو لا يخضع لها، ولا لإرادة أحد يحمله على ما لا يشاؤه منها.

وهذه المماثلة إنّما تظهر فيمن يدعى من دون الله تعالى من الملائكة أو الأنبياء أو الصلحاء، دون ما اتخذ لهم تذكيراً بهم من التماثيل أو القبور أو الأصنام، وقد صار بعض هذه المذكرات يقصد لذاته، جهلاً بما كانت اتخذت لأجله، وفي هذه الحالة تدخل في المماثلة بطريقة تنزيلها منزلة ما وضعت لأجله، كأنه يقول إن قصاري أمرها أن تكون من الأحياء العقلاء أمثالكم، فكيف ترفعونها عن هذه المثلية، إلى مقام الرّبوبية؟

{ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي إن كنتم صادقين في زعمكم أنّهم يقدرون على ما لا تقدرون عليه بقواكم البشرية من نفع أو ضرّ بذواتهم فادعوهم فليستجيبوا لكم بأنفسهم، أو ليحملوا الرّب تبارك وتعالى على إعطائكم ما تطلبون منهم إن كنتم صادقين في قولكم

السابقالتالي
2 3 4