الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ }

افتتحت هذه السورة بدعوة القرآن إلى دين التوحيد والأمر باتباع ما أنزل الله، والنهي عن اتباع أولياء من دونه، وتلاه التذكير بنشأة الإنسان الأولى في الخلق والتكوين، والعداوة بينه وبين الشيطان، ثمّ اختتمت بهذه المعاني، وهو التذكير بالنشأة الأولى والنهي عن الشرك واتباع وسوسة الشيطان، والأمر بالتوحيد واتباع القرآن، قال تعالى:

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي خلقكم من جنس واحد أو حقيقة واحدة صورها بشراً سويا، { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } سكوناً زوجياً، أي جعل لها زوجاً من جنسها فكانا زوجين ذكراً وأنثى كما قال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } [الحجرات: 13] كما أنّه خلق من كلّ جنس وكلّ نوع من الأحياء زوجين اثنين قال عزَّ وجلّ:وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات: 49] وإننا نشاهد أن كلّ خلية من الخلايا التي ينمى بها الجسم الحي تنطوي على نويّتين ذكر وأنثى يقترنان فيولد بينهما خلية أخرى، وهلم جراً، ونعلم أيضاً، كيف يتكوّن في الأرحام كلّ من الزوجين كما قال تعالى:وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [النجم: 45-46] ولكننا لا ندري كيف ازدوجت النفس الأولى بعد وحدتها فكانت ذكراً وأنثى، قال تعالى:مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } [الكهف: 51].

وفي التوراة التي عند أهل الكتاب أن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن لا نصدّق أهل الكتاب ولا نكذبهم أي فيما لا نص فيه عندنا لإحتماله، فنحن نعمل بأمره صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر وأن حمل عليه بعض المفسرين وغيرهم حديث: " استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء " رواه الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً، فإن المتبادر منه الذي اعتمده الشراح في تفسيره أن المراد بخلقها منه أنّها ذات إعوجاج وشذوذ تخالف به الرجل كما يشير إليه ما رواه ابن حبان عن أبي هريرة " أن المرأة خلقت من ضلع أعوج " فهو على حد قوله تعالى:خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [الأنبياء: 37].

وقال الحافظ في شرحه من الفتح: قيل فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر وقيل من ضلعه القصير أخرجه ابن إسحاق وزاد: اليسرى من قبل أن يدخل الجنّة وجعل مكانه لحم، ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة اهـ.

فتأمل لجعل الحافظ المسألة من باب الإشارة وحكايته لها بصيغة التضعيف، وما ذكره من تفسيرها الغريب بتشبيه خلق الإنسان بخلق النبات، وظاهره أنه لم يطلع على سعة حفظه على قول لمن يعتد بأقوالهم من علماء السلف ومحققي الخلف في المسألة، ونذكر أن الله تعالى خاطب الناس في عصر التنزيل بمثل ما حكاه لهم في هذه الآية عن نشأة جنسهم في كونه تعالى خلق لهم أزواجاً من أنفسهم فقال في بيان آياته من سورة الروم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9