الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

مناسبة هذه الآية لما قبلها أنّها إرشاد إلى النظر والتفكر في أمر الساعة التي ينتهي بها أجل جميع الناس، في إثر الإرشاد إلى النظر والتفكر في اقتراب أجل من كانوا في عصر التنزيل وعهد نزول هذه السورة منهم، وبعبارة أخرى أنّها كلام في الساعة العامة، بعد الكلام في الساعة الخاصّة.

قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } الساعة في اللغة جزء قليل غير معيّن من الزمان، وتسمّى ساعة زمانية، ومنه قوله تعالى في أوائل هذه السورةلاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً } [سبأ: 30] وفي اصطلاح الفلكيين جزء من 24 جزءاً متساوية من اليوم والليلة وهي تنقسم إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى ستين ثانية - وقد صار هذا التقسيم عرفاً عاماً في جميع البلاد الحضرية يضبط بآلة تسمّى الساعة وكان معروفاً عند العرب وثبت في الحديث " يوم الجمعة إثنتا عشرة ساعة " يعني نهارها.

وفي لسان العرب: الساعة جزء من أجزاء الليل والنهار والجمع ساعات وساع وجاءنا بعد سُوع من الليل وبعد سُواع. أي بعد هدء منه - أو بعد ساعة. والساعة الوقت الحاضر. وقوله تعالى:وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [الروم: 55] يعني بالساعة الوقت الذي تقوم فيه القيامة فلذلك ترك أن يعرف أي ساعة هي. فإن سميت القيامة ساعة فعلى هذا. والساعة القيامة.

وقال الزجاج اسم للوقت الذي تصعق فيه العباد والوقت الذي يبعثون فيه وتقوم فيه القيامة، سميت ساعة لأنّها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخلق كلّهم عند الصيحة الأولى التي ذكرها الله عزّ وجلّ فقال:إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } [يس: 29].

ثمّ ذكر أنّه تكرر ذكرها في القرآن والحديث وإنّها تطلق في الأصل بمعنيين وهما ما ذكرنا أولاً من الساعة الزمانية والساعة الفلكية، وقال في المعنى الأوّل: يقال جلست عندك ساعة من النهار أي وقتاً قليلاً منه ثمّ أستعير لاسم يوم القيامة. قال الزجاج: معنى الساعة في كلّ القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة - يريد أنّها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم، فلقلة الوقت الذي تقوم فيه سماها ساعة اهـ.

أقول: الصواب أنّها استعملت في القرآن منكرة بمعنى الساعة الزمانية ومعرفة بالألف واللام العهدية بمعنى الساعة الشرعيّة، وهي ساعة خراب هذا العالم وموت أهل الأرض، وجمع بينهما في قوله تعالى:وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } [الروم: 55] وقيل إن هذا القول هو وجه تسميتها بالساعة.

والغالب في استعمال القرآن التعبير بيوم القيامة عن يوم البعث والحشر الذي يكون بعد الموت الذي يكون فيه الحساب وما يتلوه من الجزاء - والتعبير بالساعة عن الوقت الذي يموت فيه الأحياء في هذا العالم ويضطرب نظامه ويخرب بما يكون فيه من الأهوال يتلو بعضها بعضاً، فالساعة هي المبدأ والقيامة هي الغاية ففي الأولى الموت والهلاك، وفي الآخرة البعث والجزاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد