الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

بعد الإنتهاء من قصّة موسى مع قومه التي خُتمت بها قصص الرسل من هذه السورة بيّن الله تعالى لنا في بضع آيات منها شيئاً من شؤون البشر العامة في الإيمان والشرك والهدى والضلال، وما لفساد الفطرة وإهمال مواهبها من العقل والحواس من سوء المآل، وأرشدنا في آخرها إلى ما يصلح فساد الفطرة من دعائه بأسمائه الحسنى، وإلى ما للإلحاد فيها من سوء الجزاء في العقبى.

ثمّ قفى على هذه البضع الآيات ببضع آيات أخرى في شأن الأمّة المحمديّة بدأها بوصف أمّة الإجابة، وثنى بذكر المكذّبين من أُمّة الدعوة، وثلّث بتفنيد ما عُرض لهم من الشبهة، فالإرشاد إلى التفكر الموصّل إلى فقه الأمور وما في حقائقها من العبرة، وإلى النظر الهادي إلى مآخذ البرهان والحجة، لمعرفة صدق الرسول وما في القرآن من الهداية والعلم والحكمة، فالموعظة الحسنة المؤثرة في النفس المستعدة بالتذكير بقرب الأجل، والإحتياط للقاء الله عزّ وجلّ، وختمها ببيان عدم الطمع في هداية من قضت سنة الله بضلاله، وتركه يعمه في طغيانه. قال تعالى:

{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } هذه الجملة معطوفة على جملةوَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [الأعراف: 179] وكلتاهما تفصيل لإجمال قوله تعالى:مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } [الأعراف: 178] إلخ بدأه ببيان حال من أضلهم وهم الذين أهملوا إستعمال قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم في فقه آيات الله، وإنهم كثيرون، ولكنّه ما سماهم أمة، لأنّهم لا تجمعهم في الضلال جامعة، ولأن الباطل كثير وسبله متفرقة.

ثمّ ذكر هنا حال من هداهم الله تعالى وهو أنّهم أمّة أي جماعة كبيرة، مؤلفة من شعوب وقبائل كثيرة، يهدون بالحق وبه دون غيره يعدلون، فسبيلهم واحدة لأن الحق واحد لا يتعدد، وهؤلاء هم أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد تقدّم تفسير هذا التركيب في قوله تعالى من هذه السورةوَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159] فليراجع فهو قريب فهاتان الآيتان متقابلتان لقرب الشبه بين أمّة موسى وأمّة محمّد عليهما الصلاة والسلام كقرب الشبه بينهما وقد تقدّم بيانه أيضاً وإنّما قال { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ } إلخ لمناسبة قوله في مقابلهوَلَقَدْ ذَرَأْنَا } [الأعراف: 179] أي خلقنا، فهنالك يقول ذرأنا لجهنم من صفتهم كذا، وهنا يقول وممن خلقنا أي للجنة أمّة صفتهم كذا وكذا.

أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله تعالى { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } قال ذكر لنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " هذه أمتي، بالحق يحكمون ويقضون، ويأخذون ويعطون " وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فيها قال: بلغنا إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10