الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

بين الله تعالى لنا في الآية السابقة حال المخلوقين لجهنم في عدم إستعمال عقولهم ومشاعرهم في الإعتبار بآيات الله والتفقه في تزكية أنفسهم بالعلم الصحيح الذي يترتب عليه العمل الصالح، وأن ذلك الإهمال أعقبهم الغفلة التامة عن أنفسهم وما فيه صلاحها من ذكر الله تعالى وشكره والثناء عليه بما هو أهله من صفات الكمال - وقفى على ذلك في هذه الآية بدواء هذه الغفلة وأقرب الوسائل للمخرج منها إلى ضدها فقال: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } الأسماء جمع اسم وهو اللفظ الدال على الذات فقط أو على الذات مع صفة من صفاتها سواء كان مشتقاً كالرحمن الرحيم الخالق الرازق أو مصدراً كالرب والسلام والعدل. والحسنى جمع الأحسن، والمعنى ولله دون غيره جميع الأسماء الدالة على أحسن المعاني وأكمل الصفات، فادعوه أي سمّوه واذكروه ونادوه بها لمجرد الثناء وعند السؤال وطلب الحاجات، فمن الذكر لمحض الثناء آية الكرسيٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } [البقرة: 255] إلخ وآخر سورة الحشرهُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ * هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الحشر: 22-24] وقد ورد في السنة الدعاء بهذه الآيات وأن يقول قبلها " أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم ثلاث مرات " رواه الترمذي والدارمي وابن السنّي من حديث معقل بن يسار.

وللذكر المحض فوائد كثيرة في تغذية الإيمان ومراقبة الله تعالى وحبه والخشوع له والرغبة فيما عنده واحتقار مصائب الدنيا وقلّة المبالاة والتألّم لمّا يفوت المؤمن من نعيمها، ولذلك ورد في الحديث الصحيح " مَنْ نزل به غم أو كرب أو أمر مهم فليقل: " لا إله إلاَّ الله العظيم الحليم، لا إله إلاَّ الله رب العرش العظيم، لا إله إلاَّ الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم " رواه الشيخان والترمذي والنسائي.

ومن الذكر بصيغة النداء ما رواه الترمذي " أنّه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً وهو يقول (يا ذا الجلال والإكرام) فقال: " قد أُستجيب لك فسل " " وروى الحاكم في المستدرك من حديث أنس (رضي الله عنه) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: " ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح شأني كلّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين " وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقرّه الحافظ الذهبي على ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد