الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }

هاتان الآيتان مقررتان لمضمون المثل في الآيات قبلها، وهو أن أسباب الهدى والضلال إنّما ينتهي كلّ نوع منها بالمرء المستعد إلى كلّ من الغايتين، والعرضة لسلوك كلّ من النجديين، بتقدير الله والسير على سننه في استعمال مواهبه وهداياته الفطريّة من العقل والحواس في أحد السبيلين،إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [الإنسان: 3] وقد أجمل تعالى هذا المعنى في الآية الأولى وفصّله في الثانية بإيجاز بديع فقال { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } أي مَنْ يوفقه الله سبحانه وتعالى لسلوك سبيل الهدى باستعمال عقله وحواسه بمقتضى سنّة الفطرة وإرشاد الدين فهو المهتدي الشاكر لنعمه تعالى الفائز بسعادة الدنيا والآخرة { وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أي ومَنْ يخذله بالحرمان من هذا التوفيق فيتبع هواه وشيطانه في ترك استعمال عقله وحواسه في فقه آياته تعالى وشكر نعمه فهو الضال الكفور الخاسر لسعادة الدنيا والآخرة - لأنّه يخسر بذلك مواهب نفسه التي كان بها إنساناً مستعدّاً للسعادة فتفوته هذه السعادة فوتاً إضافياً في الدنيا وحقيقياً في الآخرة.

وفي الآية من محاسن البديع الإحتباك وهو حذف الفوز والفلاح من الجملة الأولى للعلم به من إثبات نظيره ومقابله وهو الخسران في الجملة الثانية، وحذف الضال من الجملة الثانية لإثبات مقابله وهو المهتدي في الجملة الأولى. وأفرد المهتدي في الأولى مراعاة للفظ (من) وجمع الخاسرين في الثانية مراعاة لمعناها فإنّها من صيغ العموم. وحكمة إفراد الأوّل الإشارة به إلى أن الحق المراد من الهداية الإلهيّة نوع واحد وهو الإيمان المثمر للعمل الصالح وحكمة جمع الثاني الإشارة إلى تعدد أنواع الضلال كما تقدّم بيانه مفصّلاً في تفسير قوله تعالى من سورة الأنعاموَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153] وتفسير قوله تعالى من سورة البقرةٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257] الآية.

ثمّ فصّل تعالى ما في هذه الآية من الإجمال بقوله: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا }.

الذرء: فسّروه بالخلق، وذرأنا خلقنا كما قال ابن عباس وغيره وهو تفسير مراد ولكلّ مادة معنى خاص وقد تقدّم معنى مادة خلق وسنعيده.

وقال الراغب: الذرء إظهار الله تعالى ما أبدأه يقال ذرأ الله الخلق أي أوجد أشخاصهم وذكر هذه الآية وغيرها وقال: وقرئ تذرؤه الرياح.

وفي اللسان بعد تفسير الذرء بالخلق والإستشهاد بالآية: وقال عزَّ وجلّ:جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } [الشورى: 11] قال أبو إسحاق: المعنى يذرؤكم به أي يكثّركم بجعله منكم ومن الأنعام أزواجاً.. ثمّ قال: " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ " وكأن الذرء مختص بخلق الذرية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد