الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

هذا مثل ضربه الله تعالى للمكذّبين بآيات الله المنزلة على رسوله صلى الله عليه وسلم على ما أيّدها به من الآيات العقليّة والكونيّة، وهو مثل من آتاه الله آياته فكان عالماً بها حافظاً لقواعدها وأحكامها، قادراً على بيانها والجدل بها، ولكنّه لم يؤت العمل مع العلم، بل كان عمله مخالفاً لعلمه تمام المخالفة، فسلبها لأن العلم الذي لا يعمل به لا يلبث أن يزول فأشبه الحيّة التي تنسلخ من جلدها وتخرج منه وتتركه على الأرض (ويسمّى هذا الجلد المسلاخ) أو كان في التباين بين علمه وعمله كالمنسلخ من العلم التارك له كالثوب الخلق يلقيه صاحبه والثعبان يتجرّد من جلده حتى لا تبقى له به صلة على حد قول الشاعر:
خُلقوا وما خُلقوا لمكرمة   فكأنّهم خُلقوا وما خُلقوا
رُزقوا وما رُزقوا سماح يد   فكأنّهم رُزقوا وما رُزقوا
فحاصل معنى المثل أن المكذّبين بآيات الله تعالى المنزلة على رسوله محمّد صلوات الله وسلامه عليه على إيضاحها بالحجج والدلائل كالعالم الذي حرّم ثمرة الإنتفاع من علمه لأن كلاّ منهما لم ينظر في الآيات نظر تأمّل وإعتبار وإخلاص وهاك تفسير الآيات بما يدلّ عليه نظمها العربي، ويتلوه ما ورد من الروايات فيها ونظرة فيه { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } التلاوة القراءة وإلقاء الكلام الذي يعاد ويكرر للإعتبار به، والضمير في عليهم للناس المخاطبين بالدعوة وأوّلهم كفار مكّة.

والسورة مكيّة، وقيل لليهود لأن المثل تابع لقصّة موسى في السورة، والنبأ الخبر الذي له شأن، وهذا الذي آتاه الله آياته من مبهمات القرآن لم يبيّن الله ولا رسوله في حديث صحيح عنه اسمه ولا جنسه ولا وطنه لأن هذه الأشياء لا دخل لها فيما أنزل الله تعالى الآيات لبيانه.

وانسلاخه منها تجرّده وانسلاله منها وتركه إياها بحيث لا يلتفت إليها لإهتداء ولا إعتبار ولا عمل والتعبير بالإنسلاخ المستعمل عند العرب في خروج الحيّات والثعابين أحياناً من جلودها يدلّ على أنّه كان متمكناً منها ظاهراً لا باطناً.

{ فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } أي فترتب على انسلاخه منها بإختياره أن لحقه الشيطان فأدركه وتمكن من الوسوسة له إذ لم يبق لديه من نور العلم والبصيرة ما يحول دون قبول وسوسته، وأعقب ذلك أن صار من الغاوين أي الفاسدين المفسدين.

{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أي ولو أردنا أن نرفعه بتلك الآيات إلى درجات الكمال والعرفان، التي تقرن فيها العلوم بالأعمال،يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11] - لفعلنا بأن تخلق له الهداية خلقاً، ونحمله عليها طوعاً أو كرها، فإنّ ذلك لا يعجزنا، وإنّما هو مخالف لسنّتنا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10