الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

هذه الآيات خاتمة قصّة بني إسرائيل في هذه السورة، وما سيأتي من نبأ الذي آتاه الله آياته فإنسلخ منها مثل عام ليس فيه ما يدلّ على أنّه كان منهم كما روي عن بعض المفسّرين فهو لا يدخل في قصتهم، ومناسبة هذه لمّا قبلها مباشرة أنّها بيان لجريان سنة الله العامة في عقاب الأمم وإنطباقها على اليهود عامة، بعد بيان عقابه تعالى لطائفة منهم قال عزّ وجل:

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } تأذن صيغة تفعُّل من الإيذان، وهو الإعلام الذي يبلغ فيدرك بالآذان، ويتضمّن هنا تأكيد القسم، ومعنى العهد المكتوب الملتزم، بدليل مجيء لام القسم ونون التوكيد في جوابه. والمعنى: وأذكر أيها الرسول الخاتم العام إذ أعلم ربّك هؤلاء القوم المرّة بعد المرّة أنّه قد قضى في علمه وكتب على نفسه، وفاقاً لمّا أقام عليه نظام الإجتماع البشري من سننه ليبعثن ويسلطن عليهم إلى يوم القيامة مَنْ يسومهم سوء العذاب، أي يريده ويوقعه بهم، عقاباً على ظلمهم وفسقهم وفسادهم، وهو مجاز من سوم الشيء، كما يقال سامه خسفاً. وسوء العذاب ما يسوء صاحبه ويذلّه، وهو هنا سلب الملك، وإخضاع القهر.

ومصداق هذا وتفصيله على ما قرّرنا قوله تعالى في أوّل سورة الإسراءوَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } [الإسراء: 4] إلى قوله:وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } [الإسراء: 7] ثمّ قالعَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [الإسراء: 8] الآية أي وإن عدتم بعد عقاب المرّة الآخرة إلى الإفساد، عدنا إلى التعذيب والإذلال، وقد عادوا فسلّط الله عليهم النصارى فسلبوا ملكهم الذي أقاموه بعد نجاتهم من السبي البابلي، وقهروهم واستذلوهم، ثمّ جاء الإسلام فعاداه منهم الذين كانوا هربوا من الذل والنكال ولجؤا إلى بلاد العرب فعاشوا فيها أعزاء آمنين، ولم يفوا للنبي صلى الله عليه وسلم بما عاهدهم عليه إذ أمنهم على أنفسهم وأموالهم وحرية دينهم، بل غدروا به وكادوا له، ونصروا المشركين عليه، فسلّطه الله عليهم فقاتلهم فنصره عليهم، فأجلى بعضهم، وقتل بعضاً، وأجلى عمر مَنْ بقي منهم، ثمّ فتح عمر سورية بعضها بالصلح كبيت المقدس، وبعضها عنوة، فصار اليهود من سيادة الروم الجائرة القاهرة فيها إلى سلطة الإسلام العادلة، ولكنّهم ظلوا أذلة بفقد الملك والإستقلال.

وقد بيّنا حقيقة حالهم، وما يحاولونه من إستعادة ملكهم في هذا الزمان في غير هذا الموضع من هذا التفسير، وفي مواضع من المنار.

{ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } للأمم التي تفسق عن أمره وتفسد في الأرض فلا يتخلف عقابه عنها كما يتخلف عن بعض الأفرادوَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }

السابقالتالي
2 3 4 5