الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

هذه الآيات تفصيل لقوله تعالى في سورة البقرةوَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ } [البقرة: 65] إلى آخر الآيتين وقد تقدّم تفسيرها، ولا أعلم للقصّة ذكراً من كتب اليهود المقدسة ولكنها كانت معروفة عندهم، ولولا ذلك لبهتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في المدينة عندما نزل عليه { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ } أو لمّا آمن مَنْ آمن به من علمائهم إذا كانوا لا يعلمون ما حكى لهم عن الله تعالى أنهم يعلمونه مؤكداً بلام القسم، وإذا قال غير المسلم المؤمن: إنّه اطّلع على القصّة في بعض كتبهم المقدسة أو التاريخية غير المقدسة أو سمعه من بعضهم - قلنا:

أوّلاً: إن آيات سورة الأعراف هذه نزلت بمكّة في أوائل الإسلام، ولم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم لقي أحداً من اليهود - ومن المعلوم قطعاً أنه كان أمّيّاً لم يقرأ الكتب كما قال تعالىوَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [العنكبوت: 48] إلخ.

وثانياً: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصدقهم بعد معاشرتهم في المدينة بكلّ ما يحكون عن كتبهم بل كذّبهم عن الله تعالى في كثير منها، ولم يكن يصدقهم في كلّ ما يقولونه غير منقول عن كتبهم بالأولى: وهاك تفسير الآيات بمدلول ألفاظها، ولا نعتمد على شيء من الروايات فيها.

{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والسؤال فيه للتقرير المتضمن للتقريع، والإدلال بعلم ماضيهم. والمعنى وأسأل بني إسرائيل عن أهل المدينة التي كانت حاضرة البحر أي قريبة منه راكبة لشاطئه { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ } أي أسأل عن حالهم في الوقت الذي كانوا يعتدون في السبت، ويتجاوزون حكم الله بالصيد المحرّم عليهم فيه { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ } أي سمكهم - ولا يزال أهل الحجاز يسمون السمكة حوتاً كبيرة كانت أو صغيرة وأهل سورية يخصون السمكة الكبيرة باسم الحوت - وقد أضيفت الحيتان إليهم لمّا كان من إبتلائهم بها، وإحتيالهم على صيدها، وكانت تأتيهم { يَوْمَ سَبْتِهِمْ } أي تعظيمهم للسبت، فهو مصدر سبتت اليهود تسبت إذا عظّمت السبت بترك العمل فيه وتخصيصه للعبادة { شُرَّعاً } أي ظاهرة على وجه الماء كما روي عن ابن عباس، وفي رواية أخرى عنه ظاهرة من كلّ مكان - وهي جمع شارع، كالركع السجد جمع الراكع والساجد، من شرع عليه إذا دنا وأشرف { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } أي ولا تأتيهم يوم لا يعظّمون السبت فعلاً وتركاً. قيل: إنّها إعتادت أن لا يتعرّض أحد لصيدها يوم السبت، فأمنت وصارت تظهر فيه، وتخفى في الأيام التي لا يسبتون فيها لمّا إعتادت من إصطيادها فيها، فلما رأوا ظهورها وكثرتها في يوم السبت أغراهم ذلك بالإحتيال على صيدها ففعلوا.

السابقالتالي
2 3 4