الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

تقدّم مثل هاتين الآيتين في سورة البقرة وبين ما هنا وما هنالك فروق في التعبير نبينها هنا فنقول:

1 و 2- قال تعالى هنا: { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ } لأن القصّة خطاب وجه أولاً إلى أهل مكّة، فالحكاية فيه عن بني إسرائيل حكاية عن غائب والأصل أن يذكر ضميره فيه ولذلك قال: " لهم " وفي سورة البقرة " وإذ قلنا " والمعنى واحدٍ إذا المعلوم أن القائل هو الله تعالى، وقد روعي هنالك السياق وفي خطاب بني إسرائيل إذ قبلهاوَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ... } [البقرة: 50]وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ... } [البقرة: 51] فناسب أن يقول: " وإذ قلنا " ولم يقل فيها " لكم " كما قال هنا " لهم " لأن القول كان لأجداد المخاطبين من ألوف السنين لا لهم أنفسهم، ولم يقل " لهم " أيضاً لأن السياق لم يكن حكاية عن غائب مجهول يحتاج إلى تعيينه، بل هو تذكير الخلف بما تقوم به عليهم الحجّة من شؤون السلف، لأنهم وارثوا أخلاقهم وغرائزهم وعاداتهم، فهو إذن مشترك بين الخلف الحاضر، والسلف الغابر، وزيادة " لهم " تلصقه بالغائب وحده فتكون حكايته لبني إسرائيل كحكايته لعرب مكّة وغيرهم، فتأمل.

3- قال هاهنا { ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } وفي سورة البقرةٱدْخُلُواْ } [البقرة: 58] والفائدة هاهنا أتم لأن السكنى تستلزم الدخول ولا عكس. وتظهر فائدة إختلاف التعبير في الفعلين بما يليهما من العطف عليهما وهو.

4 و 5- قال هاهنا { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ } وفي سورة البقرةفَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } [البقرة: 58] فعطف الأمر بالأكل هنالك بالفاء لأن بدءه يكون عقب الدخول كأكل الفواكه والثمرات التي كانت توجد في كلّ ناحية من القرية - والسكنى أمر ممتدّ يكون الأكل في أثنائه لا عقبه، بل لا يقال عقب السكنى إلاّ فيمن يترك هذه السكنى، ولذلك عطف عليه هنا بالواو التي تفيد الجمع بين الأمرين مطلقاً بلا ملاحظة ترتيب ولا تعقيب.

وقد وصف هنالك الأكل بالرغد وهو الواسع الهنيء والتبشير به يناسب حال الدخول، إذ الأمر لدى الداخل مجهول.

6- قال هاهنا { وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } وقدّم هنالك ما أخّر هنا وأخّر ما قدّمه أي في الذكر، وهو لا يدلّ على طلب ترتيب بين الأمرين لأن العطف فيه بالواو الدالة على طلب الأمرين مطلقاً، ولكن لو كان التعبير في الموضعين واحداً لفهم منه أن المقدّم في الذكر أرجح أو أهم ولو في الجملة كما هي القاعدة في التقديم لذاته. فكان الإختلاف دالاً على عدم الفرق بين تقديم هذا وتأخير ذلك وبين عكسه. لأن المراد منهما لا يقتضي ترتيباً بين ما دلّت عليه كلمة (حطة) وهو الدعاء بأن تحط عنهم أوزارهم وخطاياهم كقولك اللهمّ غفراً وبين دخول باب القرية في حال التلبس بالتواضع والخشوع لله تعالى وتنكيس الرؤوس شكراً لجلاله على نواله، كما فعل النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم لمّا دخل مكّة فاتحاً.

السابقالتالي
2 3