الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

هذا سياق آخر من أخبار قوم موسى عليه السلام عُطف على ما قبله لمشاركته إيّاه في كلّ ما يقصد به من العظات والعبر.

قال تعالى: { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } أي وفرّقنا قوم موسى الذين كان منهم أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون، ومنهم الظالمون والفاسقون - كما سيأتي بعد بضع آيات - قطعناهم فجعلناهم اثنتي عشرة قطعة أي فرقة تسمّى أسباطاً أي أمماً وجماعات يمتاز كلّ منها بنظام خاص في معيشته وبعض شؤونه، كما يأتي قريباً في مشارب مائهم.

والمشهور من معنى السبط بكسر السين أنّه ولد الولد مطلقاً، وقد يخصّ بولد البنت، وأسباط بني إسرائيل سلائل أولاده العشرة - أي ما عدا لاوي - وسلائل ولدي إبنه يوسف وهما (افرايم ومنسي)، وأمّا سلالة لاوي فنيطت بها خدمة الدين في جميع الأسباط ولم تجعل سبطاً مستقلاً.

وقد تقدّم تفصيل ذلك فالأسباط بيان للفرق والقطع التي هي أقسام بني إسرائيل ليعلم أنّها سُمّيت بذلك، كما سُمّيت الفرق في العرب بالقبائل، والأمم بيان للمراد من معنى الأسباط الإصطلاحي. والأمّة الجماعة التي تؤلف بين أفرادها رابطة أو مصلحة واحدة أو نظام واحد، وتقدّم بيان ذلك أيضاً.

{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } تقدّم في سورة البقرة مثل هذا مع تفسيره وهو:وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [البقرة: 60] فأفاد ما هنا أن قومه استسقوه، وما هنالك أنّه إستسقى ربّه لقومه. وكلاهما قد حصل. والإستسقاء طلب الماء للسقيا، وتعريف الحجر في هاتين السورتين المكيّة (الأعراف) والمدنيّة (البقرة) لتعظيم جرمه، وقد عبّر عنه في التوراة بالصخر - أو تعظيم شأنه، أو كليهما، وكلاهما عظيم، وقد يكون للعهد كما تدلّ عليه عبارة التوراة إذ عيّنت مكانه من جبل حوريب. والإنبجاس والإنفجار واحد، يقال: بجسه أي فتحه فانبجس وبجّسه (بالتشديد) فتبجس، كما يقال: فجّره (كنصره) إذا شقّه فانفجر وفجره (بالتشديد) فتفجر - وزعم الطبرسي أن الإنبجاس خروج الماء بقلّة، والإنفجار خروجه بكثرة، وأنّه عبّر بهما لإفادة أنّه خرج أوّلاً قليلاً ثمّ كثر. وأدق منه قول الراغب: الإنبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيّق، والإنفجار يُستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع، فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان - أي وهو حجر موسى - وقال:وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } [الكهف: 33]وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [القمر: 12] ولم يقل بجسنا اهـ.

أقول: ولكن رواة اللغة فسّروا أحدهما بالآخر، وذكروا من الشواهد عليه ما يدلّ على الكثرة.

قال في اللسان: البجس إنشقاق في قربة أو حجر أو أرض ينبع منه الماء، فإنّ لم ينبع فليس بإنبجاس وأنشد:

السابقالتالي
2 3 4